تراجعت أسعار الذهب في الأسواق العالمية خلال تعاملات يوم الخميس، في ظل ارتفاع الدولار الأمريكي. جاء هذا التراجع بعد صدور سلسلة من البيانات الاقتصادية التي أظهرت استمرار التضخم القوي في الولايات المتحدة. هذه البيانات أثارت قلقًا بشأن سياسة الاحتياطي الفيدرالي، التي قد تتخذ نهجًا حذرًا فيما يتعلق بتخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل القريب.
أدى ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي إلى ضعف جاذبية الذهب بالنسبة للمستثمرين. عندما يرتفع الدولار، تنخفض جاذبية الذهب، لأنه يُعتبر من الأصول التي تتمتع بمكانة قوية في الأسواق. بالنظر إلى أن الذهب يُسعر بالدولار، فإن ارتفاع العملة الأمريكية يرفع تكلفة الذهب بالنسبة للمستثمرين الذين يحملون عملات أخرى.
يشير بعض المحللين إلى أن تزايد التضخم قد يعزز من احتمال بقاء معدلات الفائدة مرتفعة لفترة أطول. هذا قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط على الذهب، الذي يُعتبر تقليديًا ملاذًا آمنًا في أوقات التضخم المرتفع. المستثمرون الآن في حالة ترقب، حيث يراقبون عن كثب التوجهات الاقتصادية القادمة في الولايات المتحدة.
من المتوقع أن تستمر الأسعار في مواجهة تقلبات كبيرة على المدى القصير، خاصة مع استمرار الضغوط التضخمية. على الرغم من تراجع الذهب حاليًا، فإن بعض الخبراء يرون أن السوق قد يشهد تحولًا في حالة حدوث تغييرات في السياسة النقدية الأمريكية أو ظهور بيانات اقتصادية جديدة تؤثر على الدولار.
في ظل هذه التحركات، يبقى الذهب من الأصول التي تجذب اهتمام المستثمرين الذين يسعون للحفاظ على قيمة استثماراتهم وسط المخاطر الاقتصادية. ومن المتوقع أن تبقى أسعار الذهب عرضة للتقلبات في الأيام القادمة، مع تزايد المخاوف بشأن استمرار التضخم، مما يجعل السوق في حالة من الترقب الحذر.
التوترات التجارية وتأثيراتها الدولية
في ظل هذه الظروف، تزداد المخاوف بشأن تأثيرات الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي. حذرت رئيسة المكسيك، كلوديا شينباوم، من اتخاذ إجراءات انتقامية في حال قرر ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على المنتجات المكسيكية. شددت على أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى فقدان وظائف في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى زيادة أسعار السلع الاستهلاكية.
التضخم وسياسات الاحتياطي الفيدرالي: التوقعات والتحديات المقبلة
يشهد الاقتصاد العالمي حالة من الترقب بسبب سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بالتضخم وأسعار الفائدة. قال كلفين وونغ، كبير محللي السوق لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة أواندا، إن الأسواق تراقب عن كثب تخفيضات الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي. أظهرت أحدث بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية (PCE) تباطؤًا في التضخم، مما أثار بعض التفاؤل في الأسواق. مع ذلك، تشير التوقعات إلى أن سياسة الفيدرالي العام المقبل قد تكون أقل مرونة مما كان يُتوقع سابقًا.
على الرغم من التباطؤ في التضخم، يواصل الاحتياطي الفيدرالي سعيه لتحقيق هدفه في تقليص التضخم إلى 2%. لكن هناك تحديات كبيرة قد تعوق هذا الهدف، بما في ذلك التوترات التجارية العالمية التي تزداد تعقيدًا. من المتوقع أن يواجه الفيدرالي صعوبة في تنفيذ تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، خاصة إذا استمرت التوترات التجارية.
في الوقت نفسه، تواجه الأسواق حالة من القلق بشأن السياسات الاقتصادية التي قد تُتخذ خلال العام المقبل. تثير التوقعات بشأن فرض رسوم جمركية أعلى تحت إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، قلقًا متزايدًا بين المستثمرين. هذه الرسوم قد تؤثر سلبًا على الاقتصاد الأمريكي وتزيد من ضغوط التضخم.
وفقًا لأداة متابعة الفائدة الأمريكية تشير التوقعات الحالية إلى أن الأسواق تتوقع بنسبة 68.2% أن يتم خفض الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في ديسمبر. هذا التوقع يأتي في وقت حساس حيث يسعى الفيدرالي إلى تحقيق التوازن بين السيطرة على التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي. إذا تم تنفيذ هذا الخفض، قد يسهم ذلك في تقديم بعض الدعم للأسواق العالمية التي تعاني من تباطؤ النمو.
التحديات الاقتصادية العالمية:
إن استمرار التوترات التجارية إلى جانب التحديات المحلية والعالمية قد يجعل من الصعب على الدول اتخاذ إجراءات اقتصادية فعالة. في حال استمر التضخم في التصاعد، ستظل السياسات النقدية للبنك المركزي الأمريكي تحت المراقبة الدقيقة. تبقى الأسواق متأثرة بالتطورات الاقتصادية والسياسية، حيث يسعى المستثمرون إلى فهم أعمق لما ستؤول إليه الأمور في المستقبل القريب.
تداولات الذهب تحت ضغط وسط تأثيرات العوامل الاقتصادية والجيوسياسية
يُعد الذهب واحدًا من أبرز الأصول الآمنة التي يلجأ إليها المستثمرون في فترات عدم الاستقرار الاقتصادي أو الجيوسياسي. يظهر ذلك بشكل خاص خلال فترات الحروب التجارية أو التوترات بين الدول. يفضل العديد من المستثمرين الذهب لأنه يحافظ على قيمته في أوقات الأزمات المالية، مما يجعله ملاذًا آمنًا عند تقلب الأسواق.
في الوقت الحالي، من المتوقع أن تكون التداولات هادئة، حيث تشهد الأسواق الأمريكية عطلة عيد الشكر. هذه العطلة قد تساهم في انخفاض النشاط التجاري، مما قد يؤدي إلى ضعف حركة التداولات في الذهب خلال هذه الفترة. بالرغم من ذلك، توقعات المحللين تشير إلى أن الضغط على الذهب قد يستمر خلال الأيام القليلة المقبلة وحتى الأسبوعين القادمين.
وفقًا لما صرح به كلفين وونغ، المحلل في شركة أواندا، فإن الذهب قد يتعرض لضغوط إضافية على المدى القصير. ومع ذلك، أضاف أن الاتجاه العام للذهب على المدى الطويل يظل صعوديًا. يعتقد وونغ أن هناك عوامل تدعم الذهب على المدى البعيد، رغم التحديات الحالية.
فيما يتعلق بالبيانات الأخيرة، كشف صندوق SPDR Gold Trust، الذي يعد أكبر صندوق متداول مدعوم بالذهب في العالم، أن حيازاته انخفضت بنسبة 0.10% ليصل إجمالي الحيازات إلى 878.55 طن متري يوم الأربعاء الماضي. هذا التراجع الطفيف في الحيازات قد يعكس بعض التردد في السوق في الوقت الحالي.
أسعار الذهب الحالية وتأثير الدولار
على صعيد الأسعار، سجل الذهب الفوري انخفاضًا طفيفًا بنسبة 0.1% ليصل إلى 2,633.31 دولار للأوقية. كما تراجعت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة بنسبة 0.4% إلى 2,632.80 دولار. يُلاحظ أن الذهب يتأثر بشكل كبير بتحركات الدولار الأمريكي، حيث يرتبط أداء الذهب سلبًا مع قوة الدولار.
في نفس الوقت، سجل مؤشر الدولار الأمريكي ارتفاعًا بنسبة 0.28% ليصل إلى 106.33 نقطة. هذا الارتفاع في الدولار يساهم في تقليل جاذبية الذهب للمستثمرين الذين يحملون عملات أخرى، مما يضع المزيد من الضغط على الأسعار.
أداء المعادن الأخرى
بجانب الذهب، سجلت المعادن الأخرى تحركات متفاوتة في الأسواق. انخفضت الفضة الفورية بنسبة 0.7% إلى 29.87 دولار للأوقية، وهو ما يعكس تأثيرات السوق على المعادن الثمينة بشكل عام. من جهة أخرى، ارتفع البلاتين بنسبة 0.4% ليصل إلى 931.00 دولار، في حين سجل البلاديوم زيادة بنسبة 0.6% ليصل إلى 978.27 دولار. هذه التحركات تشير إلى التباين في أداء المعادن الثمينة، حيث يتأثر كل معدن بالظروف الاقتصادية والجيوسياسية بشكل مختلف.
تشير التوقعات إلى أن الذهب قد يواجه مزيدًا من الضغوط على المدى القصير بسبب تأثيرات الدولار الأمريكي وعوامل أخرى. لكن على المدى الطويل، يبقى الذهب خيارًا جذابًا للمستثمرين الذين يسعون للحفاظ على قيمة أموالهم في أوقات الأزمات.