تأثير بيانات التضخم الأمريكية على الأسواق العالمية
اليوم، صدرت بيانات مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) الأمريكي، وهو المؤشر المفضل لدى البنك الفيدرالي لقياس التضخم. هذه البيانات تحظى بأهمية بالغة لأنها تؤثر بشكل مباشر على توقعات الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي، وتدفع الأسواق إلى التفاعل الفوري معها. انطلقت الأسواق اليوم بتقلبات ملحوظة بعد صدور هذه الأرقام.
مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي: تسارع التضخم في ديسمبر
أظهرت البيانات التي صدرت مؤخرًا أن مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الرئيسي قد نما بنسبة 2.6% على أساس سنوي في ديسمبر 2024، وهو ما يتماشى مع التوقعات. ويمثل هذا زيادة مقارنة بنمو 2.4% في نوفمبر من نفس العام. بينما على المستوى الشهري، سجل المؤشر زيادة بنسبة 0.3%، وهو نفس الرقم الذي كان متوقعًا من قبل المحللين.
مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي: استقرار التضخم
أما بالنسبة لمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، فقد نما بنسبة 2.8% على أساس سنوي في ديسمبر، وهو نفس المعدل الذي تم تسجيله في نوفمبر. هذا يشير إلى استقرار التضخم في فئة النفقات التي لا تشمل أسعار الطاقة والغذاء المتقلبة. وعلى المستوى الشهري، سجل المؤشر زيادة بنسبة 0.2%.
تأتي هذه البيانات في وقت حساس بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، بعد يومين فقط من قرار الفيدرالي الأمريكي بالإجماع الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي في نطاق بين 4.25%-4.5%. كان هذا القرار متوقعًا بعد سلسلة من تخفيضات الفائدة التي بلغ مجموعها نقطة مئوية كاملة خلال الأشهر الماضية.
حاكم الفيدرالي: التضخم لن يتراجع سريعًا
في تصريح مهم لها صباح الجمعة، قالت حاكمة البنك الفيدرالي ميشيل باومان إن التضخم سيتباطأ بشكل تدريجي خلال عام 2025. لكنها أكدت أن البنك الفيدرالي يجب أن يظل حذرًا في تعديل السياسة النقدية حتى تظهر دلائل واضحة على تحقيق الاستقرار في التضخم. وأوضحت قائلة: “لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به لجعل التضخم أقرب إلى هدفنا البالغ 2%”.
الإنفاق والدخل الشخصي: استمرار النشاط الاقتصادي رغم التضخم
باومان أضافت أن الفيدرالي سيواصل مراقبة البيانات الاقتصادية عن كثب، وستكون هناك حاجة لرؤية تقدم مستدام في خفض التضخم قبل إجراء أي تعديل آخر في سياسة الفائدة. وأضافت: “أتوقع أن يبدأ التضخم في الانخفاض مجددًا، وأن نراه أقل من مستواه الحالي بحلول نهاية العام.”
البيانات التي صدرت أيضًا تشير إلى أن الدخل الشخصي في الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 0.4% في ديسمبر، وهو ما يتماشى مع التوقعات. بينما سجل الإنفاق الشخصي زيادة بنسبة 0.7%، وهو أعلى قليلاً من التوقعات التي كانت عند 0.6%. تشير هذه الزيادة في الإنفاق إلى أن النشاط الاقتصادي لا يزال قويًا رغم الضغوط التضخمية.
هذه الزيادة في الإنفاق قد تكون دليلًا على أن المستهلكين لا يزالون في حالة من التفاؤل النسبي رغم ارتفاع الأسعار. وفي الوقت نفسه، تواصل الشركات الأمريكية رفع الأسعار لتغطية تكاليفها المرتفعة بسبب التضخم. من المرجح أن تواصل هذه الديناميكية في التأثير على قرارات الفيدرالي بشأن الفائدة.
تحليل الأسواق بعد بيانات التضخم: تفاعل فوري
بعد صدور هذه البيانات، شهدت الأسواق المالية رد فعل سريع. ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.53% ليصل إلى 2807.9 دولارًا للأوقية. كما ارتفعت عقود الذهب الآجلة بنسبة 0.1%، حيث وصلت إلى 2848.8 دولارًا للأوقية. يعكس هذا الصعود في الذهب اهتمام المستثمرين بالملاذات الآمنة في ظل ارتفاع التوقعات لرفع الفائدة.
على الجانب الآخر، ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي بشكل ملحوظ بعد صدور البيانات. وصل إلى مستوى 108.1، بزيادة قدرها 0.45% مقابل سلة من العملات العالمية، وخاصة اليورو. هذه التحركات توضح مدى حساسية الأسواق لبيانات التضخم، التي تؤثر على توقعات السياسة النقدية المستقبلية.
ترامب يكرر تهديدات التعريفة الجمركية ويرفع جاذبية الملاذ الآمن
أدى التصعيد الأخير في السياسات التجارية الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب إلى إدخال قدر كبير من عدم اليقين في الأسواق العالمية.
وقد أدى إعلانه عن فرض رسوم جمركية باهظة على الواردات من دول البريكس – البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا – إلى زيادة المخاوف بشأن النزاعات التجارية المحتملة وتداعياتها الاقتصادية.
الأسواق الأمريكية: استجابة إيجابية بعد بيانات التضخم
بالإضافة إلى التحركات في أسواق السلع والعملات، شهدت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأمريكية تحركًا إيجابيًا أيضًا. حيث ارتفعت العقود الآجلة لمؤشر ناسداك بنسبة 0.75%، وارتفعت العقود الآجلة لمؤشر إس آند بي 500 بنسبة 0.46%. كما سجلت العقود الآجلة لمؤشر داو جونز زيادة بنسبة 0.3%. هذه الارتفاعات تشير إلى أن الأسواق الأمريكية تستعد لتفاعل إيجابي مع هذه البيانات، حتى في ظل المخاوف من استمرار التضخم.
المخاوف حول التضخم وتأثيرها على الفائدة
لا تزال المخاوف حول التضخم تشغل بال المستثمرين وصانعي السياسات على حد سواء. في الوقت الذي يبقى فيه الاقتصاد الأمريكي قويًا بشكل عام، تشير هذه البيانات إلى أن الفيدرالي الأمريكي قد يضطر إلى اتخاذ المزيد من الخطوات للسيطرة على التضخم. هذا قد يشمل رفع أسعار الفائدة في المستقبل القريب، وهو ما سيكون له تأثير مباشر على قروض الشركات والأفراد على حد سواء.
من جهته، يواصل الفيدرالي مراقبة تأثيرات السياسة النقدية على الاقتصاد، خاصة فيما يتعلق بتوازن النمو والتضخم. إذا استمر التضخم في التباطؤ تدريجيًا كما تتوقع حاكمة الفيدرالي، فإن هناك فرصة لخفض وتيرة رفع الفائدة في الأشهر القادمة. إلا أن الفيدرالي لن يتخلى عن موقفه الصارم في مكافحة التضخم حتى تحقيق الأهداف المحددة.
ماذا سيحدث في المستقبل؟
في النهاية، تواصل الأسواق العالمية متابعة البيانات الاقتصادية الأمريكية عن كثب، خاصة في ظل التوقعات المتزايدة بزيادة أسعار الفائدة. وعلى الرغم من استمرار المخاوف من التضخم، فإن الأسواق تظل متفائلة بأن الإجراءات التي يتخذها الفيدرالي ستؤدي في النهاية إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
لا يزال الطريق طويلًا نحو تحقيق أهداف التضخم.
ولكن البيانات الأخيرة تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي في طريقه لتحقيق بعض التقدم. فيما يبقى التحدي الأساسي هو كيفية تحقيق التوازن بين السيطرة على التضخم ودعم النمو الاقتصادي، وهو ما سيظل يشكل محور الاهتمام في الأشهر المقبلة.