أثارت تصريحات البيت الأبيض جدلاً واسعًا بشأن نية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزل رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. ورغم أن رد فعل السوق الفوري على خطوة كهذه قد لا يكون كارثيًا، فإن تداعياتها المحتملة قد تعمّق الاضطرابات الاقتصادية. هذا ما أكده خبراء كابيتال إيكونوميكس في مذكرة حديثة للعملاء.
أشار بول آشورث، كبير اقتصاديي أمريكا الشمالية في كابيتال إيكونوميكس، إلى أن ترامب يستطيع تقليل حجم الصدمة عبر تعيين بديل يتمتع بمؤهلات مناسبة. من بين الأسماء المطروحة، برز كل من كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني، وكيفن وارش، العضو السابق في مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
برأي آشورث، قد لا تتسبب عودة وارش إلى المنصب في “كارثة مالية فورية”، غير أن الأسواق ستظل متوترة. حيث توقع انخفاضًا في قيمة الدولار الأمريكي، إلى جانب ارتفاع عائدات السندات طويلة الأجل. هذا السيناريو سيضعف الاستقرار النقدي، ويصعّب على واشنطن تحقيق أهدافها.
مقاومة داخلية قد تعرقل سياسة ترامب النقدية
حتى في حال تعيين ترامب لأحد المقربين، فإن تنفيذ أجندته النقدية سيواجه تحديات داخلية ضخمة. يرى آشورث أن وارش – في حال توليه المنصب – سيصطدم بلجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، التي قد تبقى معارضة لتوجهات خفض الفائدة.
بعبارة أوضح، صوت وارش لن يكون كافيًا للتأثير على قرارات اللجنة، ما يجعل من المستحيل تقريبًا فرض خفض أسعار الفائدة. لذلك، فإن استبدال باول وحده لن يضمن تنفيذ السياسة النقدية التي يسعى إليها البيت الأبيض.
بالفعل، تعيش الأسواق الأمريكية حالة توتر متصاعد. فقد هبطت المؤشرات الرئيسية في وول ستريت بأكثر من 2% يوم الاثنين. جاء ذلك بعد تقارير تفيد بأن إدارة ترامب تدرس فعليًا إقالة باول. هذه الانخفاضات تكشف حجم المخاوف من التدخل السياسي في استقلالية الاحتياطي الفيدرالي.
ترامب يهاجم باول ويمهد لإقالته
لم تكن تصريحات ترامب ضد باول وليدة اللحظة. فقد وصفه سابقًا بأنه “خاسر كبير” و”المتأخر جدًا”. كما عبّر مرارًا عن غضبه من تأخر باول في خفض أسعار الفائدة، معتبرًا أن هذا التباطؤ أضعف أداء الاقتصاد.
علاوة على ذلك، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن ترامب قد يسعى لاستخدام باول ككبش فداء. أي تحميله مسؤولية تدهور الاقتصاد، خصوصًا في حال تصاعد آثار الحروب التجارية. هذا الاتجاه يعكس رغبة الإدارة في حماية صورتها قبيل الاستحقاقات الانتخابية.
لكن، وفق محللين، هذه الخطوة ستضعف ثقة المستثمرين. لأن التلاعب باستقلالية الفيدرالي سيعني فقدان الثقة في النظام النقدي الأمريكي. كما أن الأسواق لن تتسامح مع محاولات التأثير على سياسة البنك المركزي.
مخاوف أوسع من ضرب استقلال الاحتياطي الفيدرالي
أكد آشورث أن عزل باول لن يكون إلا البداية. فإذا كان ترامب مصممًا على فرض رؤيته، فقد يضطر لإقالة أعضاء آخرين داخل المجلس. حاليًا، يضم مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي سبعة أعضاء، مما يعني أن إزاحة باول وحده لن تضمن تمرير سياسات جديدة.
تخيل سيناريو تُستبدل فيه الغالبية بأشخاص مقربين من ترامب. سيُنظر حينها إلى الفيدرالي كأداة سياسية، مما يطلق موجة من الفوضى النقدية. في هذه الحالة، سيتراجع الدولار أكثر، بينما سترتفع الفائدة على السندات طويلة الأجل. وهذا بدوره سيؤدي إلى تآكل ثقة المستثمرين الدوليين.
أيضًا، قد تضطر الأسواق لإعادة تقييم آفاق الاقتصاد الأمريكي. لأن فقدان استقلالية السياسة النقدية سيقود إلى تقلبات أعنف، ويزيد من صعوبة التحكم بالتضخم. وبالتالي، فإن أي فوائد قصيرة الأجل من خفض الفائدة قد تتلاشى سريعًا أمام هذه التحديات الهيكلية.
التوقيت يزيد من تعقيد المشهد
تأتي هذه التهديدات في وقت حساس للغاية. حيث يخوض ترامب صراعات متزايدة على جبهات التجارة، بالإضافة إلى استعداد البلاد للانتخابات. أي زعزعة في الثقة المالية قد تؤثر سلبًا على فرصه الانتخابية.
ومن جهة أخرى، فإن الاحتياطي الفيدرالي يواجه تحديات داخلية مرتبطة بالتضخم ومعدلات التوظيف. لذا فإن تسييس قراراته قد يضعف فعاليته ويقود إلى نتائج عكسية.
مخاطر متعددة تنتظر الأسواق
وفي ضوء كل ذلك، يرى محللون أن الخيار الأفضل لترامب هو الضغط السياسي من دون كسر استقلالية البنك. أما خيار العزل، فسيشعل فتيل أزمة أعمق، ستنعكس بسرعة على جميع المؤشرات الاقتصادية.
في حال أقدم ترامب فعلًا على تنفيذ تهديده، فإن الأسواق ستواجه أربعة تحديات رئيسية:
- انخفاض الدولار: حيث ستتوقع الأسواق تخفيضًا مفرطًا للفائدة.
- ارتفاع عوائد السندات: نتيجة خوف المستثمرين من التضخم وفقدان السيطرة النقدية.
- هروب رأس المال الأجنبي: بسبب ضعف ثقة المؤسسات العالمية في استقرار الاقتصاد الأمريكي.
- اضطراب الأسواق العالمية: لأن الدولار يمثل عملة الاحتياطي العالمي.
كل هذه العوامل تجعل من خطوة إقالة باول مقامرة غير محسوبة. ربما تحقق على المدى القصير استجابة سياسية داخلية، لكنها ستكلف الاقتصاد الأمريكي ثمنًا باهظًا على المدى الطويل.
في الأسابيع الأخيرة، كثّف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هجماته على رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول. وصفه بأنه “خاسر كبير” و”السيد متأخر للغاية”. جاءت هذه الانتقادات بعد رفض البنك المركزي خفض أسعار الفائدة، رغم مطالبات ترامب المتكررة بذلك.
ترامب يُحمّل باول مسؤولية التباطؤ الاقتصادي
أشار ترامب إلى أن الاقتصاد الأمريكي قد يتباطأ إذا لم يُخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة. زعم أن “التضخم معدوم تقريبًا”. دعا الأسبوع الماضي إلى إقالة باول، رغم أنه هو من عيّنه في ولايته الأولى. من المقرر أن يظل باول رئيسًا للاحتياطي الفيدرالي حتى مايو 2026.
تيميراوس: ترامب يُمهّد لإلقاء اللوم على باول
كتب نيك تيميراوس من صحيفة وول ستريت جورنال أن ترامب يمهد الطريق لإلقاء اللوم على بنك الاحتياطي الفيدرالي تحت قيادة باول في أي ضعف اقتصادي ناتج عن الرسوم التجارية. أشار إلى أن ترامب قد يستخدم هذا النهج لنزع الشرعية عن استقلال البنك المركزي.
الأسواق تتفاعل سلبًا مع تصريحات ترامب
أدى الهجوم الأخير الذي شنه ترامب على باول إلى انخفاض حاد في أسواق الأسهم الأمريكية. كما أدى إلى إضعاف الدولار ودفع عائدات سندات الخزانة إلى الارتفاع. تعكس هذه التحركات قلق المستثمرين من التدخل السياسي في سياسات البنك المركزي.
باول يُؤكد استقلالية الاحتياطي الفيدرالي
صرّح باول بأن الاحتياطي الفيدرالي سيواصل اتخاذ قراراته بناءً على البيانات الاقتصادية، وليس الضغوط السياسية. أشار إلى أن البنك المركزي قد أحرز تقدمًا في مكافحة التضخم، لكنه لم يصل بعد إلى هدفه البالغ 2%.
التضخم يُعيق خفض أسعار الفائدة
أظهرت بيانات حديثة ارتفاع التضخم بنسبة 0.5% في يناير، مما دفع معدل التضخم السنوي إلى 3%. هذا الارتفاع يجعل من غير المرجح أن يُخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في المستقبل القريب.
ترامب يُواجه انتقادات من داخل حزبه
أعرب بعض الجمهوريين عن قلقهم من هجمات ترامب على باول، خاصة في ظل تقلبات الأسواق. حذروا من أن هذه التصريحات قد تُضعف ثقة المستثمرين وتُهدد استقرار الاقتصاد الأمريكي.
محللون يُحذرون من تداعيات التدخل السياسي
حذر خبراء اقتصاديون من أن التدخل السياسي في سياسات البنك المركزي قد يؤدي إلى فقدان الثقة في النظام المالي الأمريكي. أشاروا إلى أن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي ضرورية للحفاظ على استقرار الأسعار والنمو الاقتصادي.
ترامب يُواصل الضغط رغم التحذيرات
رغم التحذيرات، يواصل ترامب الضغط على باول لخفض أسعار الفائدة. يرى أن ذلك ضروري لدعم الاقتصاد، خاصة مع اقتراب الانتخابات. ومع ذلك، يُشير المحللون إلى أن خفض الفائدة في ظل ارتفاع التضخم قد يؤدي إلى نتائج عكسية.