تواجه الأسواق المالية في الولايات المتحدة تحديات كبيرة في الآونة الأخيرة. مع استمرار انخفاض العقود الآجلة للأسهم الأمريكية، وتوالي التقارير الاقتصادية المؤثرة، يترقب المستثمرون صدور بعض التقارير الحاسمة التي قد تؤثر بشكل كبير على حركة الأسواق المالية. الأسواق اليوم تعيش حالة من التوتر والقلق، على خلفية الحرب التجارية والتقلبات الاقتصادية التي فرضت نفسها على الساحة. فما الذي يحرك الأسواق الآن؟ وهل يمكن أن تتغير الاتجاهات في ظل الظروف الحالية؟
استمرار انخفاض العقود الآجلة للأسهم الأمريكية
في صباح يوم الجمعة، شهدت العقود الآجلة للأسواق الأمريكية انخفاضًا ملحوظًا. الأسواق العالمية تعيش حالة من الانخفاض بعد إعلان إدارة ترامب عن فرض رسوم تجارية شاملة على السلع المستوردة. في الساعة 03:45 بتوقيت شرق الولايات المتحدة، انخفضت العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 30 نقطة، أي ما يعادل 0.5%. كما انخفضت العقود الآجلة لمؤشر ناسداك 100 بنحو 65 نقطة، أو 0.4%، بينما شهد مؤشر داو جونز انخفاضًا بلغ 255 نقطة، أي 0.6%. هذا الانخفاض الحاد جاء بعد تزايد المخاوف من تأثير الحرب التجارية العالمية.
منذ إعلان ترامب عن فرض تعريفة جمركية أساسية بنسبة 10% على السلع المستوردة، بدأت الأسواق الأمريكية في الانخفاض بشكل ملحوظ. وقد شهدت مؤشرات وول ستريت أكبر انخفاض لها خلال خمس سنوات في يوم الخميس الماضي. هذا الانخفاض الهائل في المؤشرات جاء نتيجة لتخوف المستثمرين من الآثار السلبية للرسوم الجمركية على النشاط الاقتصادي الأمريكي والعالمي.
البنك الاستثماري “جي بي مورجان” أشار إلى أن فرص حدوث ركود اقتصادي عالمي سترتفع إلى 60% إذا استمرت خطة التعريفات الجمركية. هذا الرقم يمثل زيادة كبيرة مقارنة بالتوقعات السابقة التي كانت تشير إلى احتمال يبلغ 40%. هذا التصعيد في التوترات التجارية يشكل خطرًا على الاقتصاد العالمي.
تقرير الوظائف الأمريكية وتباطؤ النمو
في الوقت نفسه، يترقب المستثمرون تقرير الوظائف الأمريكي لشهر مارس 2025، الذي سيصدر في وقت لاحق من الجلسة. يهدف التقرير إلى تقديم لمحة عن صحة الاقتصاد الأمريكي في ضوء التأثيرات المحتملة للحرب التجارية على النمو والضغوط التضخمية. من المتوقع أن يضيف الاقتصاد الأمريكي حوالي 137 ألف وظيفة جديدة، وهو رقم أقل من 151 ألف وظيفة في الشهر السابق. كما أنه أقل بكثير من المتوسط الشهري البالغ 190 ألف وظيفة خلال الأشهر الستة الماضية.
تسبب التخفيضات في الإنفاق الحكومي وتردد الشركات في زيادة التوظيف بسبب الاضطرابات الناجمة عن الرسوم الجمركية في تزايد التحديات الاقتصادية. هذا التباطؤ في إضافة الوظائف قد يشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي يعاني من بعض الضغوط، وهو ما يزيد من التوترات في الأسواق.
خطاب باول حول التوقعات الاقتصادية
أيضًا، خطاب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” سيكون نقطة محورية في الجلسة المقبلة. لقد أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على سعر الفائدة دون تغيير في اجتماعه الأخير في مارس 2025، مما يعكس حالة من القلق الاقتصادي والتوتر الذي يواجهه البنك. يواجه صناع السياسة المالية تحديًا في اتخاذ القرار بشأن زيادة الفائدة أو خفضها في ظل التضخم المرتفع واحتمال الركود. يرى العديد من المحللين أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يكون محاصرًا بين الحاجة إلى محاربة التضخم وبين القلق من حدوث ركود اقتصادي.
إذا استمرت الحرب التجارية والتعريفات الجمركية في التأثير على الاقتصاد الأمريكي، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يُضطر إلى اتخاذ قرارات تيسيرية. التوقعات تشير إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة بما يعادل 100 نقطة أساس هذا العام، رغم أن هذا قد يرفع التضخم بشكل كبير. يعتقد بعض المحللين أن هناك حاجة إلى تخفيضات أكبر في أسعار الفائدة إذا استمرت الاضطرابات التجارية.
الذهب يحقق مكاسب أسبوعية خامسة على التوالي
في إطار هذه التقلبات الاقتصادية، استمرت أسعار الذهب في الارتفاع بشكل ملحوظ. تراجعت أسعار المعدن الأصفر يوم الجمعة، لكنها ما زالت تسجل مكاسب أسبوعية خامسة على التوالي. استفاد الذهب من حالة الاضطرابات في الأسواق، إذ تمسك المستثمرون به كملاذ آمن ضد التقلبات في أسواق الأسهم. سجل الذهب أعلى مستوى له في يوم الخميس، ليصل إلى 3168.04 دولار للأوقية.
ومع انخفاض طفيف يوم الجمعة، بقي المعدن النفيس في موقع قوي.
إد يارديني، المعلق الاقتصادي، توقع أن يصل سعر الذهب إلى 4000 دولار للأوقية بحلول نهاية العام. إذا استمرت الرسوم الجمركية في التأثير على الأسواق، فقد يرتفع الذهب أكثر. في الوقت نفسه، رفع بنك HSBC توقعاته لسعر الذهب في عامي 2025 و2026، مشيرًا إلى أن المخاطر الجيوسياسية مثل حرب أوكرانيا والتغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية تساهم في رفع أسعار الذهب.
توقعات أسعار النفط في ظل الوضع الراهن
على الرغم من مكاسب الذهب، أسعار النفط تعرضت لانتكاسة كبيرة. في يوم الجمعة، شهدت أسعار النفط الخام تراجعًا حادًا، وكانت في طريقها لتسجيل أسوأ أسبوع لها منذ أشهر. الرسوم التجارية التي فرضها الرئيس ترامب أثارت مخاوف كبيرة من حدوث ركود عالمي قد يقلل من الطلب على النفط.
تراجعت العقود الآجلة لخام برنت وخام غرب تكساس الوسيط بشكل حاد، مع توقعات بتسجيل أكبر خسارة أسبوعية منذ أكتوبر 2024. كما أن أوبك+، التي تضم مجموعة من الدول المنتجة للنفط بقيادة السعودية وروسيا، تخطط لتسريع زيادة الإنتاج، مما يزيد من الضغوط على أسعار النفط.
بنك جولدمان ساكس خفض توقعاته لأسعار النفط، مشيرًا إلى أن متوسط أسعار خام برنت سيصل إلى 69 دولارًا للبرميل في 2025، بينما يتوقع 66 دولارًا لخام غرب تكساس. تشير هذه التوقعات إلى استمرار التحديات التي يواجهها قطاع النفط في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
الاضطرابات الاقتصادية العالمية والأسواق الأمريكية
في ظل الاضطرابات الاقتصادية العالمية، يبدو أن أسواق الأسهم الأمريكية قد تواجه تحديات إضافية في الأسابيع القادمة. مع التصعيد في الحرب التجارية، واحتمالات حدوث ركود اقتصادي، تزداد المخاوف بين المستثمرين. في الوقت نفسه، يظهر الذهب كملاذ آمن، بينما تشهد أسعار النفط انخفاضًا حادًا. مع التوقعات بتقليص أسعار الفائدة، تبقى الأسواق على حافة الانتظار لمعرفة التطورات المستقبلية وكيف ستؤثر على الاقتصادات العالمية.