واصل الين الياباني خسائره مقابل الدولار الأمريكي بعد إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، حيث تراجع إلى ما دون 155 ينا للمرة الأولى منذ يوليو الماضي. هذا التراجع يعكس استمرار الضغط على العملة اليابانية ويزيد من احتمالية تدخل بنك اليابان المركزي لوقف الانخفاض. فقد انخفض الين بنسبة 0.4% ليصل إلى 155.15 مقابل الدولار، في وقت تشهد فيه الأسواق توترات بسبب السياسة الاقتصادية التي يتبعها ترامب، والتي قد تؤدي إلى ضغوط إضافية على الين.
الضعف المستمر في الين يعزز التكهنات بأن بنك اليابان قد يضطر لرفع أسعار الفائدة بشكل أسرع مما كان متوقعًا.
حيث يرصد المتداولون احتمالية بنسبة 50% لرفع الفائدة في اجتماع السياسة المقرر في ديسمبر المقبل. ويعود جزء من الضغوط على الين إلى ارتفاع العائدات على السندات الأمريكية، حيث وصل العائد على السندات لأجل عامين إلى أعلى مستوى له منذ يوليو، مما يجعل الدولار أكثر جاذبية للمستثمرين مقارنة بالين. هذا الوضع يضع بنك اليابان أمام تحديات كبيرة في كيفية التعامل مع تراجع قيمة العملة.
من جهة أخرى، يضيف فوز ترامب إلى زيادة المخاوف بشأن السياسات الاقتصادية التوسعية والتضخمية التي قد يتبعها في ولايته الثانية. يعتقد البعض أن هذه السياسات قد تجعل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أقل استعدادًا لتخفيض أسعار الفائدة، مما يعزز الدولار ويزيد من الضغط على الين.
هذه التوترات تفتح المجال أمام تساؤلات حول مدى سرعة اتخاذ بنك اليابان لإجراءات لرفع أسعار الفائدة من أجل تقليل الفجوة بين أسعار الفائدة في الولايات المتحدة واليابان، وهو ما قد يؤدي إلى دعم العملة اليابانية. الأسواق تراقب الوضع عن كثب.
خاصةً أن الين وصل إلى مستويات قريبة من التي تدخلت فيها الحكومة اليابانية في الماضي لدعمه.
العوامل المؤثرة على قيمة الين الياباني
تتأثر قيمة الين الياباني بعدد من العوامل الاقتصادية والمالية العالمية التي تؤثر على القوة الشرائية للعملة وتوجهات السوق. يعتبر التفاعل بين هذه العوامل معًا هو ما يحدد الاتجاه العام للين الياباني في أسواق الصرف. أحد أبرز هذه العوامل هو السياسة النقدية لبنك اليابان، الذي يتخذ قرارات بشأن أسعار الفائدة والتيسير الكمي، ما يؤثر بشكل مباشر على جاذبية الين للمستثمرين.
عندما يتبع بنك اليابان سياسة نقدية ميسرة، مثل إبقاء أسعار الفائدة منخفضة أو تطبيق التيسير الكمي.
يؤدي ذلك إلى تراجع قيمة الين حيث يسعى المستثمرون إلى عوائد أعلى في أسواق أخرى. أيضًا، تعتبر أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة من العوامل المؤثرة بشكل كبير على قيمة الين.
عندما يرفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة، يزيد العائد على الدولار، مما يعزز من قوة الدولار مقابل الين. العوائد المرتفعة على السندات الأمريكية تجعل الدولار أكثر جاذبية مقارنة بالين الياباني، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة الأخير. من ناحية أخرى، إذا كانت الفائدة على الدولار منخفضة، يفضل المستثمرون الاتجاه نحو الين الياباني الذي يعد ملاذًا آمنًا في فترات عدم الاستقرار الاقتصادي.
إضافة إلى ذلك، يلعب الوضع الاقتصادي العام في اليابان دورًا كبيرًا في تحديد قيمة الين. إن تراجع النمو الاقتصادي في اليابان، أو انخفاض الإنتاج الصناعي أو الطلب المحلي، يمكن أن يضعف الين بشكل ملحوظ.
حيث يرى المستثمرون أن الاقتصاد الياباني قد يواجه تحديات اقتصادية قد تؤثر سلبًا على العملة. في المقابل، النمو الاقتصادي المستدام في اليابان يعزز من قوة الين.
العوامل الجيوسياسية أيضًا تؤثر بشكل غير مباشر على قيمة الين الياباني. في الأوقات التي تشهد فيها الأسواق العالمية حالة من عدم اليقين أو التوترات السياسية، مثل الحروب أو الأزمات المالية، يتجه المستثمرون نحو الين باعتباره من العملات الآمنة. هذه الديناميكية قد تدعم الين لفترات قصيرة، لكنه يظل تحت ضغط العوامل الاقتصادية الأخرى على المدى الطويل.
تأثير انخفاض الين علي الاقتصاد الياباني
انخفاض قيمة الين الياباني له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الياباني، حيث يمكن أن يؤثر على العديد من الجوانب الاقتصادية. في البداية، يعد الين الضعيف عاملاً مساعدًا في تعزيز الصادرات اليابانية. عندما ينخفض الين مقابل العملات الأخرى، تصبح السلع اليابانية أرخص بالنسبة للمشترين الأجانب، مما يجعلها أكثر تنافسية في الأسواق العالمية.
هذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة الطلب على المنتجات اليابانية، خاصة في القطاعات التي تعتمد على التصدير مثل السيارات والإلكترونيات. ومن ثم، يمكن أن يساهم في زيادة الأرباح للشركات المصدرة، ما يعزز النمو الاقتصادي. لكن على الجانب الآخر، يؤدي انخفاض الين أيضًا إلى زيادة تكلفة واردات اليابان، خصوصًا في السلع الأساسية مثل النفط والطاقة.
بما أن اليابان تعتبر من أكبر مستوردي النفط، فإن تراجع الين يجعل تكاليف استيراد النفط مرتفعة.
مما يرفع من أسعار الوقود والطاقة في السوق المحلي. هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج في العديد من الصناعات المحلية، ويؤثر سلبًا على الشركات التي تعتمد على المواد الخام المستوردة.
إضافة إلى ذلك، يشكل انخفاض الين ضغطًا على التضخم في اليابان. على الرغم من أن البنك المركزي الياباني يسعى بشكل عام لزيادة التضخم للوصول إلى هدفه البالغ 2%، فإن الزيادة المفاجئة في تكاليف الواردات قد تؤدي إلى تضخم غير مرغوب فيه، مما يؤثر على القوة الشرائية للمستهلكين. زيادة أسعار السلع المستوردة قد تؤدي إلى تقليص الإنفاق الاستهلاكي، ما يضر بالنمو الاقتصادي الداخلي.
علاوة على ذلك، قد يؤدي انخفاض الين إلى زيادة الضغوط على السياسة النقدية لبنك اليابان. إذا استمر ضعف الين لفترة طويلة، فقد يكون على بنك اليابان التدخل في الأسواق من خلال شراء الين لدعمه، أو حتى التفكير في رفع أسعار الفائدة لوقف تراجع العملة.