الذهب يبقى ملاذًا آمنًا في وجه العواصف التجارية العالمية

شهدت أسعار الذهب استقرارًا نسبيًا في الأسواق العالمية، رغم التراجع الطفيف في التعاملات الآسيوية الأخيرة. هذا التماسك يعكس استمرار ارتفاع الطلب على المعدن النفيس كملاذ آمن، وسط تصاعد المخاوف من الحروب التجارية وعدم وضوح السياسات الاقتصادية العالمية.

ظل الذهب قريبًا من أعلى مستوياته التاريخية، حيث حافظ على جاذبيته في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي توترات متزايدة. فقد أدى تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين إلى تعزيز توجه المستثمرين نحو الذهب، خاصة مع فرض رسوم جمركية مرتفعة من الطرفين.

تأثير الإعفاءات والتصريحات السياسية على الأسواق

شهدت الجلسات الماضية انخفاضًا محدودًا في أسعار الذهب، بعد إعلان إعفاء واردات إلكترونية صينية من الرسوم الأمريكية. هذه الخطوة ساهمت في تحسين شهية المخاطرة مؤقتًا، إلا أن التهديدات المستمرة من إدارة ترامب بفرض المزيد من الرسوم قلصت هذا الأثر. وأوضح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن إعفاءات إضافية قد تكون قيد الدراسة. إلا أن الرسوم التي فرضها بنسبة 145% على الصين، والرد الصيني برسوم 125%، ما تزال سارية، مما يعزز حالة القلق لدى الأسواق.

تذبذب الدولار يدعم الذهب

ساهم ضعف الدولار في دعم الذهب خلال الفترة الأخيرة. جاء هذا التراجع نتيجة لانخفاض حاد في عوائد سندات الخزانة الأمريكية. وعادة ما يُنظر إلى الذهب كمنافس للسندات في فترات التوتر، خاصة عند تراجع العائدات.

انخفض سعر الذهب الفوري بنسبة 0.4% إلى 3224.60 دولار للأوقية. في المقابل، استقرت العقود الآجلة عند 3240.85 دولار للأوقية، مما يشير إلى ثبات مستويات الطلب رغم تقلبات السوق.

الطلب على الملاذات الآمنة يتصاعد

بقيت الأسعار قريبة من أعلى مستوى قياسي بلغ 3245.69 دولار. ويؤكد هذا الوضع استمرار حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية، لا سيما في ظل الحرب التجارية التي لا تُظهر مؤشرات على التراجع. زاد الطلب على الذهب بسبب الخوف من تباطؤ اقتصادي عالمي، ما يدفع بالمستثمرين إلى التحوّط ضد المخاطر. هذا التوجّه تعززه البيانات الاقتصادية الضعيفة، وتصريحات المسؤولين التي تتسم بالغموض أحيانًا.

الرسوم الجمركية تعيد رسم مشهد الاقتصاد العالمي

أدى إعلان ترامب عن إعفاء مؤقت لمدة 90 يومًا لبعض التعريفات إلى تهدئة الأسواق جزئيًا. إلا أن تصريحاته الأخيرة بشأن فرض رسوم جديدة على الأدوية والإلكترونيات أعادت القلق إلى الواجهة.

ما زال الغموض يسيطر على العلاقة التجارية بين واشنطن وبكين. وبينما تواصل الولايات المتحدة تحقيقاتها في واردات حساسة، لا تبدي الصين أي مرونة حتى الآن. هذا الوضع يزيد من احتمالية حدوث ركود اقتصادي، وفق تقديرات بعض المحللين.

المعادن الأخرى تتفاعل بوتيرة أبطأ

سجلت المعادن النفيسة الأخرى ارتفاعات محدودة، لكنها لم تواكب وتيرة صعود الذهب. فقد استقرت عقود البلاتين عند 956.60 دولار، بينما ارتفعت عقود الفضة بنسبة 0.2% لتصل إلى 32.225 دولار. أما المعادن الصناعية، فتأثرت بشكل مباشر من التوترات التجارية. حيث تراجعت أسعار النحاس، نتيجة لتوقعات ضعف الطلب من الصين، التي تُعد أكبر مستورد للنحاس في العالم.

أشارت بيانات حديثة إلى انخفاض واردات الصين من النحاس بنسبة 1.4% خلال مارس. وتُعزى هذه التراجعات إلى حالة الترقب بشأن التعريفات، مما جعل بعض المصدرين يسرّعون الشحنات إلى الولايات المتحدة قبل تطبيق أية إجراءات جديدة.

تحركات المستثمرين تكشف ثقتهم بالذهب

يلجأ العديد من المستثمرين إلى الذهب، لاعتباره أصلًا يحافظ على القيمة في أوقات التقلب. وأشار المحلل موريسون إلى أن المؤشرات الفنية تُظهر أن الذهب عاد إلى مستويات ذروة الشراء، مما يستدعي الحذر.

هذا التوجه يكشف عن فقدان الثقة المؤقتة في أدوات الاستثمار الأخرى، مثل سندات الخزانة. التي كانت سابقًا تُعد الملاذ الآمن الأول، لكنها أصبحت تُظهر تقلبات غير مألوفة في الفترة الأخيرة.

السياسات الأمريكية تُربك الأسواق

فتح السجل الفيدرالي الأمريكي ملفات جديدة تهدف إلى فرض رسوم على الأدوية وأشباه الموصلات. يعتقد المسؤولون أن الاعتماد الزائد على الاستيراد في هذه القطاعات يمثل خطرًا على الأمن القومي.

من ناحية أخرى، أشار ترامب إلى إمكانية تعديل الرسوم على السيارات ومكوناتها من كندا والمكسيك. وقد يؤدي هذا التحول في السياسة إلى إعادة هيكلة سلاسل التوريد، مع تأثير مباشر على الأسعار والإنتاج.

تأثير أسعار الفائدة على جاذبية الذهب

صرح رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا بأن الاقتصاد الأمريكي يمر بحالة “توقف كبير”، بسبب الشكوك المحيطة بالسياسات التجارية. ولفت إلى ضرورة الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير حتى تتضح الصورة. مع ذلك، تشير توقعات السوق إلى احتمال تثبيت أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل. بل إن هناك رهانات على تخفيضات مستقبلية قد تصل إلى 85 نقطة أساس بحلول نهاية عام 2025. في المقابل، يرى بعض المحللين أن استمرار التضخم قد يمنع الفيدرالي من اتخاذ قرارات جريئة. لكن في حال اشتدّت التوترات التجارية، فقد يُضطر البنك إلى التدخل لتهدئة الأسواق.

هل يستمر الذهب في الصعود؟

في ظل الأوضاع الراهنة، يُرجح أن يحافظ الذهب على مكانته كأصل دفاعي. فتراجع الثقة في السياسات الاقتصادية، وعدم اليقين بشأن التعريفات، كلها عوامل تدفع المستثمرين إلى شراء الذهب.

وبينما تستمر التقلبات في سندات الخزانة، يُعيد السوق النظر في جدوى الاحتفاظ بها كملاذ آمن. وقد يساعد ذلك في تعزيز موقع الذهب في المحافظ الاستثمارية العالمية.

يشير التاريخ إلى أن الذهب يزدهر في فترات عدم الاستقرار. ومع استمرار التوترات الجيوسياسية والاقتصادية، يُتوقع أن يواصل أداءه القوي في الأمد القصير، على الأقل حتى تتضح ملامح السياسة التجارية الأمريكية.

الذهب تحت رحمة رسوم ترامب الجمركية

كشفت ملفات السجل الفيدرالي يوم الاثنين أن الولايات المتحدة بدأت تحقيقات في واردات الأدوية وأشباه الموصلات.  الهدف هو فرض رسوم جمركية محتملة على هذه القطاعات، مشيرين إلى أن الاعتماد الكبير على الإنتاج الأجنبي للأدوية والرقائق يشكل خطرا على الأمن القومي.

يشعر المشاركون في السوق بالقلق بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطط للكشف عن معدل الرسوم الجمركية على أشباه الموصلات المستوردة خلال الأسبوع المقبل. وبالإضافة إلى ذلك، أعلن ترامب يوم الاثنين أنه منفتح على تعديل الرسوم الجمركية البالغة 25% على السيارات المستوردة وأجزاء السيارات من المكسيك وكندا ودول أخرى.

أسعار الفائدة و سندات الخزانة الأمريكية والذهب

وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا رافائيل بوسيك إن حالة عدم اليقين المحيطة بالتعريفات الجمركية والسياسات الأخرى تسببت في دخول الاقتصاد في “توقف كبير”.  وأشار إلى أن البنك المركزي الأميركي يجب أن يحافظ على موقفه الحالي حتى تتضح الصورة بشكل أكبر.

وفي الوقت نفسه، تجاهلت الأسواق تعليقات رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا رافائيل بوسيك، الذي اقترح أن البنك المركزي الأميركي يجب أن يبقى على سعر الفائدة دون تغيير حتى تتضح الرؤية بشكل أكبر، حسبما قال ميهتا.  و توقعت الأسواق بنسبة 80% أن يُبقي الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة في اجتماعه للسياسة النقدية في 7 مايو. كما أخذت في الاعتبار تخفيضات أسعار الفائدة بنحو 85 نقطة أساس بحلول ديسمبر 2025.

سندات الخزانة الأمريكية والذهب

الذهب، وهو أصل غير مُدرّ للعائد، يُستخدم تقليديًا كأداة تحوّط ضدّ حالة عدم اليقين والتضخم العالميين. كما أنّه يميل للازدهار في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. وقال موريسون إن هذا الأمر تفاقم بسبب بعض التحركات الغريبة في سوق سندات الخزانة الأميركية.

لقد كانت سندات الخزانة الأميركية، المدعومة بالميزانية العمومية لأكبر اقتصاد في العالم وقوة العملة الاحتياطية العالمية، تعتبر دائما الملاذ الآمن النهائي.  ولا يحصل المستثمرون على الفائدة فحسب، بل يتمتعون أيضاً بضمان دعم الاقتصاد الأميركي.  وأضاف موريسون “لكن سندات الخزانة أثبتت أنها متقلبة للغاية في الآونة الأخيرة، وفقدت بعض جاذبيتها”.

مقالات ذات صلة