شهدت أسواق الذهب في الآونة الأخيرة ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار، ليصل المعدن النفيس إلى مستويات قياسية، مما أعاد إلى الأذهان فترة الثمانينيات. ففي عام 1980، كانت الاضطرابات السياسية والاقتصادية من العوامل التي ساهمت في دفع أسعار الذهب إلى مستويات تاريخية. ولكن، رغم التشابه الظاهر بين الارتفاع الحالي والارتفاع الذي حدث في تلك الفترة، فإن الخبراء يشيرون إلى أن الظروف التي تقف وراء هذا الارتفاع الآن تختلف بشكل جوهري.
التوترات الجيوسياسية وتأثيرها على أسواق الذهب
في الوقت الراهن، نشهد تصاعدًا ملحوظًا في التوترات الجيوسياسية حول العالم، سواء بين الحلفاء التقليديين أو بسبب النزاعات العسكرية.
مثل الحرب في أوكرانيا والصراعات في الشرق الأوسط. وقد أضافت هذه التوترات إلى اهتمامات المستثمرين بالذهب كملاذ آمن. ولكن، وفقًا للمحللين، فإن الوضع الراهن يختلف عن الأزمات السابقة، حيث لا يتوقع أن يشهد العالم تعاونًا دوليًا سريعًا لحل الأزمات الراهنة.
على سبيل المثال، فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجموعة من الرسوم الجمركية على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
مما كان له تأثير ملحوظ في ارتفاع أسعار الذهب. ويشير جيمس ستيل، المحلل في بنك إتش إس بي سي، إلى أن هذا الارتفاع يأتي في وقت يتصاعد فيه التوتر التجاري، وهو ما يدفع المستثمرين إلى الاتجاه نحو الذهب.
أسواق الذهب في السياق الحالي
مؤخرًا، وصل سعر الذهب الفوري إلى مستوى قياسي قدره 3167.57 دولارًا للأوقية.
وهو ما يمثل ارتفاعًا كبيرًا بنسبة 16% منذ بداية العام، بالإضافة إلى نمو بنسبة 27% في عام 2024. ورغم تقلبات السوق، يبدو أن هذا الارتفاع مدعوم بعدد من العوامل الأساسية، مما يجعله أكثر استدامة من الارتفاعات السابقة التي شهدها المعدن النفيس.
من بين العوامل التي تدفع أسعار الذهب للأعلى هي الحرب التجارية المتصاعدة.
بالإضافة إلى التهديدات المستمرة بفرض مزيد من الرسوم الجمركية. في حين أن الدولار يعد من الأصول الآمنة، إلا أن وضعه في السوق يبدو مهددًا مع استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي التي تسببها هذه الرسوم الجمركية.
مقارنة بالثمانينيات
في هذا السياق، يبدو أن الذهب يستفيد من حالة انعدام الاستقرار، إذ أن التحولات الاقتصادية والجيوسياسية التي يشهدها العالم تدفع المستثمرين نحو شراء السبائك الذهبية
العديد من المحللين يلفتون النظر إلى أن الارتفاع الحالي للذهب يثير ذكريات الارتفاع الذي شهده المعدن النفيس في بداية الثمانينيات. في تلك الفترة، كانت الثورة الإيرانية وأزمة النفط من العوامل الرئيسية التي دفعت الذهب إلى أعلى مستوياته. ومع ذلك، يتميز الوضع الحالي عن الوضع في الثمانينيات بعدم وجود حلول سريعة للأزمات.
حيث يرى الخبراء أن العوامل الجيوسياسية التي تؤثر في أسعار الذهب اليوم تزداد تعقيدًا ولا يظهر الأمل في التعاون الدولي لحلها في وقت قريب.
كما أشار جيمس ستيل إلى أن الأحداث التي ساهمت في رفع أسعار الذهب في الماضي – مثل الثورة الإيرانية وأزمة النفط – قد تم معالجتها بسرعة.
مما أدى إلى انخفاض سريع في أسعار الذهب. لكن، بحسب ستيل، فإن انهيار التعاون الدولي خلال السنوات الأخيرة جعل الذهب يحتفظ بمستويات مرتفعة.
مما يشير إلى أن المنافسة الجيوسياسية هي التي تهيمن الآن على السوق.
العوامل الاقتصادية التي تدعم ارتفاع الذهب
بينما يظل السوق العالمي يتابع بترقب تطورات الأزمات الجيوسياسية، فقد شهدنا أيضًا تطورات اقتصادية أثرت بشكل مباشر على أسعار الذهب. خلال العقدين الأخيرين، أدت أزمات عديدة مثل جائحة فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا إلى تعزيز موقف الذهب كملاذ آمن. ففي أعقاب تجميد العقوبات الغربية لنصف احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية، أظهرت البنوك المركزية في الدول غير الغربية اهتمامًا متزايدًا بالذهب كوسيلة لتنويع احتياطياتها بعيدًا عن الدولار.
بالإضافة إلى ذلك، فإن السياسات النقدية التيسيرية التي انتهجتها العديد من البنوك المركزية حول العالم.
إلى جانب المخاوف المتزايدة بشأن العجز المالي، قد دفعت المستثمرين نحو الذهب كأداة استثمارية مضمونة نسبيًا.
التهديدات الجيوسياسية والتعريفات الجمركية
منذ توليه منصبه، أحدث ترامب تحولات جذرية في السياسة الأمريكية، بدءًا من تشكيكه في ضمان أمن أوروبا إلى تغييره لنهج الولايات المتحدة تجاه الحرب في أوكرانيا. هذه التحولات .
بالإضافة إلى التهديدات المستمرة بفرض مزيد من الرسوم الجمركية على السلع الصينية.
قد عززت من التوقعات بتفاقم الأزمات الجيوسياسية، مما دفع المزيد من المستثمرين نحو الذهب كأداة آمنة.
أدى هذا إلى تحركات ملحوظة في أسواق الذهب، حيث ارتفعت أسعار المعدن الأصفر في الأشهر الأخيرة. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن تلك الارتفاعات قد تتعرض للضغط في حال عودة الأوضاع الاقتصادية إلى الاستقرار.
خاصة إذا بدأ التعاون الدولي في التوسع وحل الأزمات الاقتصادية.
هل تنتهي الارتفاعات القياسية للذهب؟
بينما يظل سعر الذهب مرتفعًا، يسود القلق بين البعض بشأن استمرار هذا الارتفاع في المستقبل. بعد إعلان ترامب عن فرض الرسوم الجمركية على الشركاء التجاريين، شهدت أسواق الذهب عمليات بيع كبيرة من قبل بعض المستثمرين الذين حاولوا تغطية خسائرهم في أسواق الأسهم. هذه التصحيحات يمكن أن تؤدي إلى تقلبات في سعر الذهب على المدى القصير.
لكن في الوقت نفسه، تبقى البنوك المركزية مشتريًا قويًا للذهب، مما يساهم في دعم أسعاره على المدى البعيد. وفقًا لتقرير مجلس الذهب العالمي، استمرت البنوك المركزية في تعزيز احتياطياتها من الذهب خلال الأشهر الماضية، وهو ما يشير إلى أن الاهتمام بالمعدن الثمين لن يضعف قريبًا.
في النهاية، على الرغم من الضغوط التي تواجه أسعار الذهب بسبب الرسوم الجمركية والضغوط الاقتصادية الأخرى.
يبقى المعدن النفيس أحد الأصول الآمنة التي يلجأ إليها المستثمرون في فترات الاضطرابات. وعلى الرغم من أن بعض التوقعات تشير إلى احتمال انتهاء الارتفاع القياسي للأسعار في المستقبل القريب.
إلا أن التوترات الجيوسياسية المستمرة وتغير السياسات الاقتصادية قد تساهم في استمرار هذا الارتفاع لفترة أطول.