إجراءات شاملة، ترامب يختبر النظام الدستوري الأمريكي

يعد التأكيد القوي للسلطة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض بمثابة اختبار حقيقي للنظام الدستوري الأمريكي، الذي يقوم على مبدأ الضوابط والتوازنات بين سلطات الحكومة الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية. النظام الذي أُسس في القرن الثامن عشر يواجه الآن تحديات كبيرة، خاصة في ظل الدعم الكبير الذي يحظى به ترامب من الكونغرس الأمريكي الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري. هذا الوضع أثار تساؤلات كبيرة حول قدرة النظام الدستوري على مواجهة التغيرات التي فرضتها سياسات ترامب.

مقاومة ضعيفة من الكونغرس وتوترات مع القضاء

تسيطر حركة ترامب على السلطة التنفيذية، حيث تواجه قلة من المعارضات في الكونغرس، ما جعل الرئيس يتخذ العديد من الإجراءات التنفيذية التي لم تلقَ مقاومة فعالة. في هذا السياق، ظهرت المحكمة الفيدرالية باعتبارها القيد الوحيد على تحركات ترامب.

حيث تدخلت العديد من القرارات القضائية لوقف إجراءات الحكومة الأمريكية بشأن قضايا عدة مثل الترحيل والطرد، والتي لم تتم إلا بعد إصدار أوامر من المحاكم.

إحدى تلك القرارات كانت أمرًا قضائيًا من القاضي جيمس بواسبيرغ الذي كان يهدف إلى وقف الترحيل السريع الذي قامت به إدارة ترامب بحق أعضاء مزعومين في عصابة فنزويلية. كان رد ترامب على هذا الأمر متطرفًا، حيث طالب الكونغرس بعزل القاضي من منصبه. لم يتأخر رئيس المحكمة العليا جون روبرتس في انتقاد هذه الدعوة، مشيرًا إلى أن ذلك يشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقلالية القضاء.

النظام الدستوري الأمريكي في مواجهة التوسع الرئاسي

أنشأ مؤسسو الولايات المتحدة الأمريكية نظامًا يتسم بالضوابط والتوازنات.

حيث كانت السلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية تعمل كأضداد ووسائل مراقبة لبعضها البعض. لكن الرئيس ترامب حاول إعادة تعريف هذا النظام، عبر سعيه لتوسيع صلاحياته الرئاسية على حساب صلاحيات الآخرين. وفقًا لديفيد سوبر، أستاذ القانون في جامعة جورج تاون، فإن تحركات ترامب توضح رغبة في توسع سلطات الرئيس بشكل غير مسبوق.

نظرية التنفيذ الوحدوي والتحديات القانونية

بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك محاولات من قبل الإدارة للحد من سلطات القضاء. ترامب دعا مرارًا وتكرارًا المحكمة العليا الأمريكية إلى الحد من قدرة القضاة الفيدراليين على إصدار أوامر قضائية تتعارض مع سياسات إدارته. في منشور على منصات التواصل الاجتماعي، حث ترامب المحكمة العليا على التدخل سريعًا، محذرًا من أن عدم تصحيح الوضع قد يؤدي إلى كارثة كبيرة.

ترامب اعتمد على فكرة نظرية “السلطة التنفيذية الموحدة”، التي تتبناها العديد من القوى القانونية المحافظة. يعتقد أصحاب هذه النظرية أن الرئيس يجب أن يتمتع بسلطة واسعة على السلطة التنفيذية.

حتى في حالة وجود محاولات من الكونغرس لفرض قيود على هذه السلطة. هذا المفهوم يدعم تصورًا بأن الرئيس يجب أن يعود إلى الوضع الذي كان عليه قبل الإصلاحات التي حدثت بعد فضيحة ووترغيت.

جون يو، أحد المؤيدين لهذه النظرية، يرى أن تصرفات ترامب تعكس محاولات للتراجع عن الإصلاحات التي وضعتها الولايات المتحدة بعد استقالة الرئيس نيكسون في السبعينات.

لاستعادة السلطة الرئاسية التي كانت تتمتع بها قبل تلك الإصلاحات. على الرغم من دعم الكونغرس الجمهوري لترامب.

إلا أن بعض الخبراء القانونيين يرون أن هذا التوجه قد يهدد مبدأ “فصل السلطات” الذي طالما كان أساسًا للنظام الأمريكي.

عدم اهتمام الكونغرس بمعارضة قرارات ترامب

من جهة أخرى، أشار بنجامين شناير، أستاذ السياسات العامة في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، إلى أن الكونغرس الأمريكي، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، لم يظهر اهتمامًا كبيرًا في تقليص صلاحيات الرئيس. يلاحظ شناير أن هذا التوجه يعكس اتساع الهوة بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة وتدهور الثقة بينهما. منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تبين أن الكونغرس قد تراجع عن دوره التقليدي كضابط للسلطة التنفيذية، وهو ما يوضح “عالمًا جديدًا” في السياسة الأمريكية.

التحديات القضائية لقرارات ترامب

منذ بداية فترة ولاية ترامب الثانية، تم رفع العديد من القضايا القضائية ضد قراراته.

وهو ما يعكس تحديات قانونية حقيقية تحيط بإدارته. فقد تم الطعن في قراراته المتعلقة بإقالة المسؤولين الحكوميين.

مثل مسؤولي هيئة الرقابة على أنظمة الجدارة وهيئة العلاقات العمالية الفيدرالية.

وغيرها من الوكالات المستقلة التي تم إلغاء أو تقليص دورها. في إحدى الحالات، تم السماح لترامب بفصل هامبتون ديلينجر من منصبه، بعد أن أقرت المحكمة بأن هذا الفصل كان ضمن صلاحياته التنفيذية الواسعة.

المقاومة القضائية وغياب الامتثال لأوامر المحكمة

يبدو أن الحكومة الأمريكية تحت قيادة ترامب لا تلتزم بشكل كامل بأوامر المحاكم.

وهو ما يعكس تصاعدًا في معارضة الأوامر القضائية. رغم صدور أكثر من 100 دعوى قضائية ضد سياسات ترامب.

بما في ذلك محاولاته لتقليص حقوق المواطنة أو إقالة الموظفين الحكوميين.

فقد تم إصدار العديد من الأحكام القضائية التي تساهم في تعطيل قراراته. بعض الخبراء القانونيين يشيرون إلى أن هذه المقاومة للأوامر القضائية غير مسبوقة في تاريخ الإدارات الأمريكية الحديثة.

المحكمة العليا والتحديات المستمرة

في سياق متصل، لم يصدر حكم بعد من المحكمة العليا الأمريكية بشأن القضايا المرفوعة ضد ترامب.

ما يعكس حالة من عدم اليقين بشأن قدرتها على الحد من سلطات الرئيس. في الوقت الحالي، تدرس المحكمة العليا قضية تتعلق بحق المواطنة بالولادة.

وهو المرسوم الذي اعتبرته بعض المحاكم “غير دستوري بشكل صارخ”. هذه القضايا قد تضع المحكمة العليا في موقف حاسم لتحديد حدود السلطة التنفيذية في المستقبل.

هل سيستمر ترامب في اختبار النظام؟

في النهاية، ما الذي ينتظر ترامب والنظام الدستوري الأمريكي؟ في ظل عدم وجود مقاومة حقيقية من الكونغرس وغياب الوضوح بشأن موقف المحكمة العليا، يبدو أن ترامب مستمر في اختبار الحدود التي وضعها الدستور. مع تزايد الصراعات القانونية وزيادة التوترات بين السلطة التنفيذية والقضائية، يظل مستقبل النظام الدستوري الأمريكي غير واضح. رغم أن الضوابط والتوازنات كانت أساسية لعمل الحكومة الأمريكية، إلا أن تحديات ترامب قد تغير هذا النموذج بشكل دائم.