تراجع الين في الآونة الأخيرة، ليصل إلى مستويات لم تشهدها العملة منذ 38 عاماً. ففي تعاملات يوم الخميس، هبط الين بنسبة 0.4% ليصل إلى 156.14 ين مقابل الدولار الأمريكي، وهو أدنى مستوى منذ يوليو الماضي. ورغم هذا الانخفاض الكبير في قيمة الين، فإن الأسهم اليابانية واصلت تراجعها للجلسة الثالثة على التوالي، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة.
يرتبط تراجع الين بشكل رئيسي بفوارق الفائدة بين اليابان والاقتصادات الكبرى الأخرى، لا سيما الولايات المتحدة. حيث يواصل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم.
في حين أن البنك المركزي الياباني يلتزم بسياسة نقدية ميسرة للغاية للحفاظ على دعم الاقتصاد الياباني. هذا التباين في السياسات النقدية جعل الدولار الأمريكي أكثر جذباً للمستثمرين مقارنة بالين، مما دفع العملة اليابانية إلى الهبوط المستمر.
على الرغم من انخفاض الين، فإن تراجع الأسهم اليابانية يعكس تحديات اقتصادية أوسع. في حين أن انخفاض العملة قد يبدو مفيداً في تعزيز الصادرات اليابانية من خلال جعل السلع اليابانية أكثر تنافسية في الأسواق العالمية.
إلا أن هذا الهبوط يمكن أن يخلق ضغوطاً على الشركات المحلية. فارتفاع تكلفة المواد الخام المستوردة، خاصة النفط والمعادن، قد يؤثر سلباً على أرباح الشركات اليابانية ويزيد من تكاليف الإنتاج.
إضافة إلى ذلك، فإن الشركات التي تعتمد على الاستيراد قد تجد نفسها تواجه صعوبة في التكيف مع التكلفة المرتفعة للواردات.كذلك، يتخوف المستثمرون من أن استمرار ضعف الين قد ينعكس سلباً على التوقعات الاقتصادية في اليابان.
حيث يمكن أن يسبب ذلك قلقاً بشأن التضخم المحلي وارتفاع أسعار المستهلك. في هذا السياق، يظل المستثمرون متشككين بشأن قدرة الحكومة اليابانية على التدخل بشكل فعال لدعم الين دون التأثير سلباً على الاقتصاد الكلي. هذا يشير إلى أن الأسواق اليابانية قد تواجه تحديات إضافية في ظل هذا التراجع المستمر للعملة.
تأثير ضعف الين على التضخم في اليابان
يشهد الين الياباني في الفترة الأخيرة تراجعاً ملحوظاً، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذا الضعف على التضخم في اليابان. عندما تنخفض قيمة العملة المحلية، يمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة على الأسعار المحلية، وخاصة في بلد مثل اليابان، الذي يعتمد بشكل كبير على الواردات لتلبية احتياجاته من السلع الأساسية والطاقة. من أبرز الآثار المباشرة لضعف الين هو زيادة تكلفة الواردات.
ما يؤدي إلى رفع أسعار السلع المستوردة مثل المواد الخام والطاقة، وهو ما يعزز الضغوط التضخمية في الاقتصاد الياباني.
مع ضعف الين، تصبح السلع المستوردة أكثر تكلفة بالنسبة للمستهلكين والشركات اليابانية، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج. على سبيل المثال، مع ارتفاع أسعار النفط والغاز، يواجه الاقتصاد الياباني تحديات إضافية.
حيث تعتبر اليابان واحدة من أكبر مستوردي الطاقة في العالم. هذا ينعكس بشكل مباشر على الأسعار المحلية، مما يؤدي إلى زيادة التضخم. كما أن ضعف الين يجعل من الصعب على الشركات المحلية تقليل تكاليف الإنتاج.
وهو ما يزيد من تكاليف السلع والخدمات ويؤثر في النهاية على ميزانية الأسر اليابانية.
على الرغم من أن ضعف العملة قد يكون مفيداً للصادرات، حيث تصبح السلع اليابانية أرخص للمستهلكين الأجانب، إلا أن هناك جانباً سلبياً لهذه الظاهرة.
خصوصاً عندما تكون الواردات تشكل جزءاً كبيراً من احتياجات اليابان. وبالرغم من أن ضعف الين قد يساعد في دعم قطاع التصنيع الياباني وجذب الاستثمارات الأجنبية، فإن التأثيرات التضخمية قد تؤدي إلى ضغط على المواطنين الذين يعانون بالفعل من زيادة تكاليف المعيشة.
يُضاف إلى ذلك أن البنك المركزي الياباني قد يجد نفسه في موقف صعب، حيث قد يؤدي ارتفاع التضخم الناتج عن ضعف الين إلى تقليص القوة الشرائية للمستهلكين. وقد يضطر البنك المركزي إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن السياسة النقدية.
تأثير سياسة الفائدة الأمريكية على قيمة الين
تؤثر سياسة الفائدة الأمريكية بشكل كبير على قيمة الين الياباني، وذلك بسبب العلاقة المتبادلة بين أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وسوق العملات العالمي. عندما يرفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة، فإن العوائد على الأصول المقومة بالدولار الأمريكي تصبح أكثر جاذبية للمستثمرين. نتيجة لذلك، يتزايد الطلب على الدولار الأمريكي ويصبح أكثر قوة مقارنة بالعملات الأخرى، بما في ذلك الين الياباني.
هذا يؤدي إلى انخفاض قيمة الين مقابل الدولار، حيث يسعى المستثمرون إلى تحويل أموالهم إلى الأصول ذات العوائد الأعلى التي توفرها الولايات المتحدة. تعتبر الفروق بين أسعار الفائدة في الولايات المتحدة واليابان من العوامل الرئيسية التي تحدد اتجاهات حركة الين. بينما يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، تلتزم اليابان بسياسة نقدية ميسرة للغاية منذ سنوات طويلة.
حيث تحافظ على أسعار فائدة منخفضة جداً أو حتى سلبية في بعض الأحيان.
وذلك بهدف تحفيز النمو الاقتصادي وتشجيع الإنفاق والاستثمار. هذا الفارق الكبير في أسعار الفائدة بين البلدين يجعل الين أقل جاذبية مقارنة بالدولار الأمريكي.
مما يؤدي إلى تراجع قيمته في السوق.
عندما تتبنى الولايات المتحدة سياسة رفع الفائدة، يكون لذلك تأثير مباشر على تدفقات رأس المال العالمية. حيث يتجه العديد من المستثمرين إلى الدولار الأمريكي استجابةً لارتفاع العوائد.
مما يعزز من قوته ويضغط على العملات الأخرى، ومنها الين.
في الوقت نفسه، تظل اليابان في موقف محايد نسبياً من حيث العوائد.
مما يعني أن الين لا يقدم جذبا كبيرا للمستثمرين في بيئة تكون فيها العوائد الأمريكية مرتفعة. بالإضافة إلى تأثير السياسة النقدية الأمريكية على حركة الين، هناك أيضاً تأثيرات غير مباشرة تتعلق بالاقتصاد الياباني. عندما يرتفع الدولار الأمريكي نتيجة لرفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، يصبح الدولار أقوى مما يجعل السلع اليابانية أغلى في الأسواق الدولية.