تواجه الأسواق المالية في الوقت الحالي حالة من عدم اليقين الكبير، حيث يؤدي المزيج من البيانات الاقتصادية الأمريكية المخيبة للآمال، والتهديدات المتزايدة بشأن فرض الرسوم الجمركية الجديدة، إلى إبقاء الدولار الأمريكي تحت ضغط. على الرغم من محاولات وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، تهدئة الأسواق من خلال التأكيد على أن تصحيحات السوق هي خطوة صحية، فإن الوضع الحالي يتطلب المزيد من اليقظة في ظل التطورات السياسية والاقتصادية السريعة.
في هذا الأسبوع، يترقب المتداولون تحديثات هامة تتعلق بمبيعات التجزئة الأمريكية لشهر فبراير، حيث من المتوقع أن يظهر تقرير المبيعات تحسنًا طفيفًا بنسبة 0.6% بعد تراجع سابق بنسبة 0.9% في الشهر الماضي. يُعد هذا التقرير مؤشرًا حاسمًا في تقييم صحة الاقتصاد الأمريكي.
حيث يشير أي تباطؤ إضافي في الإنفاق الاستهلاكي إلى ضعف محتمل في النمو الاقتصادي، مما قد يؤدي إلى خفض أسعار الفائدة، وبالتالي تقليص قوة الدولار الأمريكي.
التحديات الاقتصادية الأمريكية والمخاوف من تباطؤ الاستهلاك
منذ بداية جائحة كوفيد-19، كان الاستهلاك هو المحرك الأساسي للنمو في الاقتصاد الأمريكي.
لكن مع زيادة المخاوف من تباطؤ النشاط الاقتصادي، بدأ المستهلكون في تقليص إنفاقهم وزيادة ادخارهم تحسبًا للظروف الاقتصادية غير المؤكدة. مع دخول إدارة بايدن في مرحلة جديدة من الإصلاحات التجارية، يظل التساؤل الأهم: هل سيكون الاقتصاد الأمريكي قادرًا على الصمود في وجه التباطؤ الاقتصادي المتوقع؟
يُعد الاستهلاك الأمريكي أحد العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على الأسواق العالمية.
ولذلك فإن أي تغيرات في هذا القطاع يمكن أن تؤدي إلى انعكاسات كبيرة على قيمة الدولار الأمريكي. التقلبات المحتملة في أسعار الفائدة التي يُحتمل أن يعلن عنها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في اجتماعه القادم تمثل أيضًا عاملاً حاسمًا في مسار الدولار.
الاحتياطي الفيدرالي والتوقعات المستقبلية للدولار الأمريكي
يُترقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) في هذا الأسبوع، حيث يُتوقع أن تظل السياسات كما هي دون تغييرات كبيرة في أسعار الفائدة. من المتوقع أن يبقى رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، ملتزمًا بقرار خفض الفائدة بشكل تدريجي، مما قد يعزز استقرار الدولار الأمريكي لفترة قصيرة. لكن، في حال عدم حدوث أي تغييرات في السياسة النقدية، فقد يواجه الدولار مزيدًا من الضغوط.
الجيوسياسية وتأثيراتها على الدولار الأمريكي
لا تقتصر التحديات التي يواجهها الدولار الأمريكي على الاقتصاد الداخلي فقط، بل يمتد التأثير إلى الساحة الجيوسياسية أيضًا. من المتوقع أن يكون الاجتماع المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع نقطة محورية.
حيث قد يؤدي أي تقدم في المفاوضات إلى تحولات في سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا، مما قد يؤثر على أسواق العملات.
في أوروبا، ستركز الأسواق أيضًا على اجتماع البنك المركزي الأوروبي المرتقب في 17 أبريل.
حيث قد يتم تعليق دورة التيسير النقدي بسبب تحسن الوضع الاقتصادي في بعض الدول الأعضاء. سيكون لهذا التحول تأثير على اليورو، وقد يؤدي إلى دعمه بشكل مؤقت ضد الدولار.
اليورو في مواجهة التحديات الأوروبية
بالنسبة لزوج اليورو/الدولار الأمريكي، يتوقع المحللون أن يحافظ اليورو على مستوياته في المدى القصير. أي تقدم في محادثات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا يمكن أن يعزز اليورو.
بالإضافة إلى الإعلانات المحتملة عن تحفيز مالي من الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيدعم العملة الأوروبية.
ومع ذلك، في حال استمرت التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، فقد يتعرض اليورو لضغوط في الأشهر المقبلة. تشير التوقعات إلى أن زوج اليورو/الدولار سيظل في نطاق بين 1.05 و1.10 في الربع الثاني من العام.
الجنيه الإسترليني: بين الأجور والتضخم
أما في المملكة المتحدة، فيترقب المتداولون بيانات الأجور المرتقبة هذا الأسبوع، في حين يستعد بنك إنجلترا للاجتماع في نفس التوقيت. تشير التوقعات إلى أن نمو الأجور في القطاع الخاص سيظل مرتفعًا فوق 6%.
وهو ما يحد من قدرة بنك إنجلترا على اتخاذ قرارات تسهيلية. ومع ذلك، يبدو أن الجنيه الإسترليني يواجه تحديات كبيرة نتيجة لتوقعات بتخفيضات في أسعار الفائدة، وهو ما يعزز الضعف في العملة البريطانية.
توقعات الأسواق تشير إلى أن بنك إنجلترا قد يخفّض أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس هذا العام.
مما يعني أن السياسة النقدية البريطانية قد تستمر في التشديد، مما يضر الجنيه الإسترليني في النهاية.
أوروبا الوسطى والشرقية: استمرار التفاؤل مع بعض المخاوف
أما بالنسبة لمنطقة أوروبا الوسطى والشرقية، فيتوقع المحللون أن يظل الوضع الإيجابي في هذه المنطقة.
حيث من المنتظر أن تصدر بيانات قوية من بعض الدول مثل بولندا والمجر. على الرغم من ذلك، تبقى بعض المخاوف بشأن التضخم والمخاطر الاقتصادية التي قد تترتب على تشديد السياسة النقدية.
في بولندا، فاجأ التضخم الرئيسي الأسواق بتسجيله انخفاضًا ملحوظًا، وهو ما يعكس التحسينات في بعض المؤشرات الاقتصادية. لكن مع استمرار التوترات الجيوسياسية في المنطقة، من المحتمل أن تظل العملات مثل الفورنت المجري والزلوتي البولندي تحت ضغط في المدى القصير.
الرسوم الجمركية وأثرها على الشركات الأمريكية
لا يمكن تجاهل تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على العديد من الدول.
والتي لا تزال تثير قلق الشركات التجارية. دفع ذلك الشركات إلى إعادة تقييم عقودها التجارية وتحديد طرق لتخفيف تأثير الرسوم الجمركية المرتفعة، التي تهدد بالتأثير سلبًا على الاقتصاد الأمريكي.
وتتضمن هذه المراجعات التجارية وضع شروط جديدة.
مثل إدراج بنود القوة القاهرة أو تعديلات على القوانين الحالية لتجنب الأعباء المالية التي تفرضها التعريفات الجمركية. ومع توسع نطاق التعريفات الجمركية على الصين وكندا والمكسيك.
تظل الشركات الأمريكية في مواجهة تحديات كبيرة تتعلق بكيفية التعامل مع هذه السياسات الجديدة.
ترقب الأسواق البيانات الاقتصادية الهامة هذا الأسبوع
إن حالة عدم اليقين الحالية، التي يتوسطها التوترات التجارية والجيوسياسية، تشكل تحديات كبيرة للدولار الأمريكي ولأسواق العملات بشكل عام. وبينما تترقب الأسواق البيانات الاقتصادية الهامة هذا الأسبوع.
مثل مبيعات التجزئة الأمريكية، فإن التأثيرات المحتملة للرسوم الجمركية واجتماعات البنوك المركزية حول العالم قد تظل تلعب دورًا كبيرًا في تحديد الاتجاهات المستقبلية للأسواق. مع استقرار بعض العملات مثل اليورو، إلا أن الجنيه الإسترليني والعملات الأخرى قد تظل تحت ضغوط من المخاوف الاقتصادية والسياسية.