تسلا تحت الضغط: مبيعات متراجعة ومنافسة متصاعدة تهدد الحصة السوقية في أوروبا

شهدت شركة تسلا تراجعًا حادًا في مبيعاتها داخل السوق الأوروبية خلال الربع الأول من عام 2025، حيث انخفضت تسجيلات السيارات الجديدة بنسبة 37% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. هذا التراجع الحاد جاء في وقتٍ شهدت فيه مبيعات السيارات الكهربائية الأخرى ارتفاعًا بنسبة 23.6%، مما يشير إلى تحديات تواجهها تسلا في المنطقة.​

تباين آراء المحللين وسط ضغوط السوق

اختلفت آراء المحللين حول مستقبل تسلا في السوق الأوروبية. فبينما يرى البعض أن التراجع الحالي مؤقت، يحذر آخرون من بداية تدهور طويل الأمد. ويعتقد محللو “مورغان ستانلي” أن تسلا تمتلك فرصًا قوية للتعافي على المدى المتوسط. وأشاروا إلى أن استثمارات الشركة في الذكاء الاصطناعي والقيادة الذاتية قد تعزز جاذبيتها.

أما على صعيد المستثمرين الأفراد، فقد أبدى العديد منهم قلقًا متزايدًا. فقد شهدت بعض منتديات الأسهم نشاطًا مكثفًا بالنقاش حول مستقبل السهم. وتنوعت الآراء بين من يرى أن الانخفاض فرصة للشراء، ومن يتوقع مزيدًا من التراجع. هذا التباين يعكس غياب اليقين حول قدرة الشركة على تجاوز التحديات الحالية.

ومع ذلك، تبقى النظرة المستقبلية مرهونة بقدرة تسلا على التكيف. ففي حال تمكّنت من إطلاق موديلات مبتكرة بأسعار تنافسية، قد تستعيد زخمها. لكن الفشل في التعامل مع العوامل الجيوسياسية قد يعرقل خططها التوسعية. لذلك، يبقى الحذر سيد الموقف بين المحللين والمستثمرين على حد سواء.

أسباب التراجع:

1:الجدل السياسي حول إيلون ماسك: أثرت التصريحات السياسية لإيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لتسلا، سلبًا على صورة العلامة التجارية في أوروبا. دعم ماسك لأحزاب يمينية متطرفة، مثل حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD)، أثار استياء العديد من المستهلكين الأوروبيين، مما أدى إلى تراجع الثقة في العلامة التجارية.​

2: المنافسة المتزايدة من الشركات الصينية: واجهت تسلا منافسة شديدة من شركات السيارات الكهربائية الصينية مثل BYD وMG وLeapmotor، التي قدمت نماذج بأسعار تنافسية وجودة عالية، مما جذب شريحة كبيرة من المستهلكين الأوروبيين.​ تأخر تحديث الطرازات: اعتمدت تسلا لفترة طويلة على طرازاتها الحالية دون تحديثات كبيرة، مما جعلها تبدو أقل جاذبية مقارنة بالمنافسين.​

تسلا وتحديات الحصة السوقية في أوروبا

تدهور حصة تسلا السوقية في أوروبا يعكس أزمة ثقة أوسع. فبينما ارتفعت حصة المنافسين الصينيين، تراجعت تسلا إلى 1.6% فقط.
هذا الانخفاض جاء رغم التعافي النسبي مقارنة بشهر فبراير، ما يؤكد أن التعافي غير كافٍ.

في المقابل، أظهرت البيانات تصاعدًا في الطلب على السيارات الهجينة. فقد زادت مبيعات السيارات الهجينة القابلة للشحن بنسبة 19.5%. أما السيارات الكهربائية الهجينة، فقد ارتفعت بنسبة 24.5%. هذا النمو يشير إلى تحوّل واضح في توجهات المستهلك الأوروبي.

من جهة أخرى، تراجع الطلب على السيارات التي تعمل بالبنزين بنسبة 20.1%. وهو ما يعزز تحول السوق الأوروبي نحو الطاقة النظيفة. لكن هذا التحول لم يكن لصالح تسلا هذه المرة.

تصعيد الحرب التجارية يعقّد الأمور

تصاعدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في الآونة الأخيرة. وقد فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية مرتفعة على مكونات السيارات الصينية. وبما أن تسلا تعتمد بشكل جزئي على تلك المكونات، تأثرت عملياتها. هذه التعريفات ترفع التكاليف، وتقلل من قدرة تسلا على التسعير التنافسي.

بالتالي، وجدت الشركة نفسها محاصرة بين المطرقة والسندان. فمن جهة، يجب خفض الأسعار لمنافسة الشركات الصينية.
ومن جهة أخرى، ارتفعت التكاليف نتيجة الرسوم الجمركية. هذا التوازن الصعب يهدد هوامش الربح ويضعف أداء الشركة.

مخاوف المستثمرين والانعكاس في السوق المالية

انعكس هذا الأداء الضعيف بوضوح على نتائج الربع الأول. فقد أعلنت تسلا عن أرباح دون التوقعات، ما أثار قلق المستثمرين.
كما انخفضت عمليات التسليم على أساس سنوي، وهو مؤشر سلبي. هذا التراجع أدى إلى تذبذب في سعر سهم الشركة المدرج في ناسداك.

وفي حين تعول الشركة على تجديد طرازات السيارات، يبدو الطريق طويلاً. فإطلاق نسخ جديدة يتطلب وقتًا وتكلفة عالية. وفي ظل ظروف السوق الراهنة، قد لا يكون التوقيت في صالح تسلا. لذلك، تحتاج الشركة إلى حلول مبتكرة وسريعة لتفادي المزيد من الخسائر.

هل تبقى تسلا في صدارة الثورة الكهربائية؟

رغم الضغوط الحالية، تبقى تسلا علامة بارزة في عالم السيارات الكهربائية. فهي لا تزال الرائدة من حيث البنية التحتية للشحن وتكنولوجيا البطاريات. لكن المنافسة أصبحت شرسة، وتحتاج الشركة لتعديل استراتيجيتها بسرعة.
التوسع في الطرازات منخفضة التكلفة قد يكون حلاً مؤقتًا. ومع ذلك، تحتاج تسلا إلى تعزيز العلاقات السياسية والتجارية، خصوصًا في أوروبا.

العمل على تحسين الصورة الذهنية للعلامة التجارية بات ضرورة. كما أن توسيع الإنتاج داخل أوروبا سيقلل من أثر الرسوم الجمركية. وفي حال تم ذلك، قد تتمكن الشركة من استعادة بعض من قوتها السوقية. أما إذا استمرت العقبات الحالية، فقد تجد تسلا نفسها متأخرة عن الركب.

الاستجابة والتوقعات المستقبلية:

من ناحية أخرى، أبدى محللو “غولدمان ساكس” تحفظًا واضحًا. وأكدوا أن تزايد المنافسة من الشركات الصينية قد يضغط على هوامش ربح تسلا. كما حذروا من أن الحروب التجارية قد تؤثر سلبًا على سلاسل التوريد. وبالتالي، أوصوا المستثمرين بالحذر عند التعامل مع سهم الشركة.

في محاولة لاستعادة حصتها السوقية، أعلنت تسلا عن خطط لإطلاق نسخة منخفضة التكلفة من طراز Model Y، بالإضافة إلى تسريع تطوير تقنيات القيادة الذاتية. كما تعمل الشركة على تنويع سلسلة التوريد وتقليل الاعتماد على المكونات المستوردة من الصين، خاصة في ظل التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.​

على الرغم من التحديات الحالية، لا تزال تسلا تمتلك قاعدة عملاء قوية وسمعة عالمية في مجال السيارات الكهربائية. إذا تمكنت الشركة من معالجة القضايا السياسية وتحسين تنافسيتها في السوق، فقد تستعيد مكانتها في أوروبا خلال السنوات القادمة.​

في الختام، تواجه تسلا فترة حرجة في السوق الأوروبية، تتطلب استراتيجيات فعّالة للتكيف مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية. نجاح الشركة في هذه المهمة سيحدد مستقبلها في واحدة من أهم أسواق السيارات الكهربائية في العالم.​

مقالات ذات صلة