سجلت أسهم شركة تسلا ارتفاعًا كبيرًا بعد تصريحات مهمة من الرئيس التنفيذي إيلون ماسك. أعلن ماسك عن نيته تقليص دوره في مشروع DOGE الحكومي، مما أعاد الثقة للمستثمرين بشأن مستقبل الشركة. ارتفعت الأسهم بأكثر من 6% في تداولات ما قبل السوق الأمريكية يوم الأربعاء.
جاءت هذه القفزة المفاجئة بعد أن أبلغ ماسك المحللين خلال مكالمة أرباح بأنه سيعيد توجيه اهتمامه نحو إدارة تسلا. وأكد أن دوره في مشروع الحكومة الفيدرالية سيُقلص بشكل كبير خلال الأشهر المقبلة.
تقليص الدور السياسي والتركيز على تسلا
خلال السنوات الأخيرة، تورط ماسك في نشاطات سياسية أثارت الجدل. شغل منصبًا استشاريًا قريبًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقاد حملات تهدف لتقليص حجم الحكومة. قاد تلك الجهود من خلال مبادرة DOGE، التي ركزت على إعادة هيكلة الإنفاق الفيدرالي وتبسيط البيروقراطية.
لكن انخراطه العميق في السياسة ألقى بظلاله على تسلا. واجهت الشركة احتجاجات واسعة وأعمال تخريب استهدفت صالات العرض. كما تراجعت المبيعات في الربع الأول من 2025 بنسبة 20% مقارنة بالعام الماضي، ما أثار قلق المستثمرين.
تحت ضغط هذه التطورات، قرر ماسك خفض مشاركته السياسية. وأوضح أنه سيخصص معظم وقته لتسلا، بدءًا من مايو المقبل، مع تقليص نشاطه في DOGE إلى يوم أو يومين فقط في الأسبوع.
أداء مخيب لأسهم تسلا في الربع الأول
رغم الارتفاع الأخير في السهم، جاءت نتائج تسلا المالية دون التوقعات. أعلنت الشركة عن أرباح معدلة للسهم بلغت 0.27 دولار، فيما كانت التقديرات تشير إلى 0.42 دولار. كذلك، سجلت إيرادات بقيمة 19.34 مليار دولار، أقل من التوقعات التي بلغت 21.4 مليار دولار.
يرجع الأداء الضعيف إلى عدة عوامل، أبرزها المنافسة المتزايدة من شركات السيارات الكهربائية الصينية. كما ساهمت المخاوف المتعلقة بصورة ماسك السياسية في إحجام بعض العملاء عن الشراء، خاصة في الأسواق الغربية.
علاوة على ذلك، تأثر الإنتاج بتعقيدات سلاسل التوريد، وارتفاع تكاليف المواد، والتحديات اللوجستية في مصانع الشركة، خصوصًا في ألمانيا وأمريكا الشمالية.
عودة التركيز قد تعيد الزخم
رأى المحللون أن تصريحات ماسك قد تعكس تحولًا استراتيجيًا مهمًا. إذ أشار إلى أن الشركة ستُسرع في إطلاق نماذج جديدة، وتُركز على تطوير تقنيات البطاريات. كما أكد التزامه بتوسيع خطوط الإنتاج في مصنع برلين، ومصنع تكساس.
وذكر أن إدارة تسلا تعيد تقييم خطط النمو للعام 2025. وأوضح أن الأولوية الآن هي استعادة الحصة السوقية، وتحسين هوامش الربح، وزيادة كفاءة التشغيل.
دعم حكومي مرتقب
من ناحية أخرى، رحب المستثمرون بتلميحات من الحكومة الأمريكية حول دعم إضافي لشركات الطاقة النظيفة. إذ أعلن البيت الأبيض عن حزمة تحفيزية جديدة لدعم تصنيع السيارات الكهربائية محليًا.
كما أعلنت وزارة الطاقة عن خطة لزيادة التمويل المخصص للبنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية، ما يعزز فرص تسلا في الاستفادة من الطلب المحلي المتزايد.
ثقة الأسواق تعود تدريجيًا
أظهر ارتفاع السهم بعد مكالمة الأرباح أن الأسواق بدأت في استعادة الثقة بتسلا. رغم ضعف الأرقام المالية، رأى المستثمرون أن الخطاب الجديد من ماسك يعكس إدراكًا واضحًا لحجم التحديات.
في الواقع، رحب المحللون في وول ستريت بهذه التغيرات. حيث أشار تقرير صادر عن “مورغان ستانلي” إلى أن تقليص ماسك لأنشطته السياسية يعزز من استقرار الإدارة العليا في تسلا، ويقلل من المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بها.
آفاق النمو لا تزال قائمة
رغم الظروف الصعبة، لا تزال تسلا تحتفظ بموقع قيادي في السوق العالمي. إذ تستمر الشركة في تصدير مركباتها إلى أوروبا وآسيا، مستفيدة من شبكتها المتطورة ومرافق التصنيع الحديثة.
كما تراهن الشركة على تسويق سياراتها ذاتية القيادة بشكل أوسع، بعد حصولها على موافقات أولية في عدة ولايات أمريكية. وتطمح لإدخال أول روبوت تاكسي تجاري بحلول 2026.
ورغم التفاؤل النسبي، لا تزال بعض التحديات قائمة. إذ تواجه تسلا منافسة قوية من شركات ناشئة تقدم مركبات بأسعار أقل. بالإضافة إلى ذلك، تواصل شركات مثل “BYD” و”لي أوتو” تعزيز حصتها في الأسواق الناشئة.
تعافي أسهم تسلا وتزايد الدعم الحكومي
ومن جهة أخرى، يظل موقف ماسك من السياسات البيئية تحت المجهر. حيث تطالبه منظمات بيئية بزيادة الشفافية بشأن مصادر الطاقة المستخدمة في مصانع تسلا، وتحسين تقارير الانبعاثات.
تُظهر التطورات الأخيرة أن تسلا تقف أمام نقطة تحول مهمة. فعودة إيلون ماسك للتركيز على الشركة قد تعيد لها الزخم المفقود. لكن النجاح لن يتحقق دون معالجة القضايا العالقة، سواء التشغيلية أو التسويقية.
تحتاج الشركة الآن إلى تعزيز كفاءتها التشغيلية، وإطلاق نماذج مبتكرة، وتحسين علاقتها مع المستهلكين. ومن المهم أيضًا أن تحافظ على استقرار إدارتها، وتقلل من تدخلات السياسة في قراراتها.
ومع تعافي السهم وتزايد الدعم الحكومي، قد تتمكن تسلا من تجاوز التحديات، وقيادة المرحلة المقبلة من التحول نحو النقل الكهربائي.
أوضح ماسك أنه سيوجّه مزيدًا من تركيزه إلى إدارة تسلا خلال الأشهر المقبلة. وأكد أنه قد يقضي يومًا أو يومين فقط في الشؤون الحكومية، مقابل تركيز شبه كامل على مهامه التنفيذية في الشركة. هذا القرار جاء بعد موجة احتجاجات واسعة طالت صالات عرض تسلا، بالإضافة إلى انتقادات متزايدة بشأن انخراط ماسك في الشأن السياسي على حساب أداء الشركة.
في ذات السياق، شدد ماسك خلال مكالمة الأرباح على ثقته في مستقبل الشركة. وذكر أن تسلا قد تصبح “أكثر الشركات قيمة في العالم بفارق كبير”، لكنه أكد أن ذلك يتطلب التزامًا تنفيذيًا صارمًا وتحقيق أهداف النمو.
على الرغم من التحديات، يرى العديد من المحللين أن تسلا لا تزال تمتلك موقعًا متقدمًا في سوق السيارات الكهربائية. في تقرير حديث، أشار محللو “ميزوهو” إلى أن تسلا تُعد القائد في السوق الأمريكية. وذكروا أن التكنولوجيا المتقدمة في القيادة الذاتية تمثل محركًا رئيسيًا لتقييم الشركة في المستقبل.
كذلك، أشار التقرير إلى أن تسلا تواجه تحديات على المدى القصير مثل التعريفات الجمركية في الاتحاد الأوروبي. كما أُلغيت بعض الحوافز الضريبية في السوق الأمريكية، ما قد يضغط على الطلب. ومع ذلك، يرى المحللون أن هذه العوامل لا تمثل نفس القدر من التحدي الذي تواجهه شركات منافسة.
إشارة إيجابية بالنسبة للمستثمرين
تجدر الإشارة إلى أن إعادة توجيه ماسك نحو الإدارة يُعد إشارة إيجابية بالنسبة للمستثمرين. ففي الأشهر الأخيرة، زادت الأصوات الداعية إلى خروجه من الحياة السياسية والتركيز على قيادة الشركة نحو الابتكار والتوسع.
في موازاة ذلك، تُخطط تسلا لتوسيع قدراتها الإنتاجية في أسواق جديدة. وتستعد لإطلاق خطوط إنتاج في الهند وأمريكا اللاتينية. وتهدف هذه الخطوة إلى مواجهة التكاليف المرتفعة في أوروبا وأمريكا الشمالية، وتعزيز فرص النمو في الأسواق الناشئة.
علاوة على ذلك، تعمل تسلا على تسريع تطوير سياراتها ذاتية القيادة بالكامل. وأعلنت الشركة عن اختبارات ناجحة في ولايات أمريكية عدة. وتُعد هذه التكنولوجيا من الركائز الأساسية لاستراتيجية تسلا في السنوات المقبلة.
فيما يخص قطاع الطاقة، توسّع تسلا نطاق أعمالها في مجال البطاريات والطاقة الشمسية. وقد شهد هذا القطاع نموًا ملحوظًا، مما يساهم في تنويع مصادر دخل الشركة بعيدًا عن السيارات.
في الوقت نفسه، يشير مراقبون إلى أهمية السياسات الحكومية في دعم أو عرقلة خطط تسلا المستقبلية. وتبقى التحولات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من العوامل المؤثرة في مسار الشركة.
يبدو أن إعادة تمركز ماسك داخل تسلا تمنح المستثمرين مزيدًا من الثقة في المستقبل. وفي ظل الظروف الحالية، تحتاج الشركة إلى قيادة مركّزة وتنفيذ قوي لاستعادة الزخم وتحقيق طموحاتها على المدى الطويل.