ارتفعت أسعار النفط بنسبة 1% يوم الثلاثاء، حيث تعافت من عمليات بيع مكثفة أدت إلى هبوط الأسعار إلى أدنى مستوى لها في نحو أربع سنوات خلال الجلسة السابقة. جاءت هذه الزيادة مدفوعة بمخاوف من أن الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة قد تؤدي إلى تراجع الطلب العالمي، مما يهدد الاقتصاد العالمي بالركود. ورغم ذلك، لا يزال المحللون يحذرون من أن المخاطر قد تظل في اتجاه الهبوط.
سجلت العقود الآجلة لخام برنت ارتفاعًا بنحو 72 سنتًا، أي ما يعادل 1.1%، ليصل سعر البرميل إلى 64.93 دولارًا. كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 75 سنتًا، أي ما يعادل 1.2%.
ليصل سعر البرميل إلى 61.45 دولارًا حتى الساعة 0535 بتوقيت جرينتش.
من ناحية أخرى، يتوقع يوشيدا من شركة راكوتن للأوراق المالية أن ينخفض سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى ما يصل إلى 50 دولاراً للبرميل إذا استمر الذعر في سوق الأسهم لفترة أطول.
في الأسبوع الماضي، انخفضت أسعار خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط بنسبة 14% و15% على التوالي.
بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض “رسوم جمركية متبادلة” على جميع الواردات. وقد أثار هذا القرار قلقًا واسعًا بشأن تأثيره على النمو الاقتصادي العالمي.
قال وارن باترسون، رئيس استراتيجية السلع الأساسية في بنك “آي إن جي”، إن أسعار النفط استعادت بعض الخسائر بارتفاع طفيف مدعومًا بالتحركات الأكثر استقرارًا في أسواق الأسهم. وأضاف: “شهد السوق عمليات بيع مكثفة في الأيام الأخيرة بسبب توقعات بتراجع كبير في الطلب، لكن حجم هذا الانخفاض لا يزال غير واضح”.
وأوضح بنك “آي إن جي” في مذكرة صادرة اليوم الثلاثاء أن المخاطر ما زالت تميل إلى الجانب السلبي بسبب تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 50% على السلع الصينية إذا لم ترفع الصين التعريفات الانتقامية البالغة 34% اليوم الثلاثاء.
الصراع التجاري والتأثيرات على السوق:
التهديدات والردود:
من غير المرجح أن تغير الصين سياستها التجارية، وفقًا للمحللين. وبالتالي، من المتوقع أن نشهد مزيدًا من التصعيد في الحرب التجارية بين البلدين. ويؤكد المحللون أن هذا التصعيد سيزيد من المخاوف بشأن النمو الاقتصادي ويزيد من القلق بشأن الطلب على النفط.
في وقت سابق، انخفضت أسعار النفط بنسبة 2% بسبب المخاوف من تأثير الرسوم الجمركية على الركود العالمي وتراجع الطلب على الطاقة. ورغم ذلك، تتوقع الأسواق أن تقتصر تراجعات أسعار النفط عند حد معين.
مستبقةً احتمال أن يكون هناك توقف لهذا التراجع في المستقبل القريب.
من جهة أخرى، أكد ترامب أن الرسوم الجمركية، التي تبدأ بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية.
مع أهداف تصل إلى 50% على بعض السلع، ستساهم في إحياء الصناعة الأمريكية. وأوضح أن هذا القرار يهدف إلى معالجة تدهور قاعدة التصنيع في الولايات المتحدة، والتي تراجعت خلال عقود من تحرير التجارة العالمية.
في المقابل، تسعى العديد من الدول للحصول على إعفاءات أو تخفيضات على التعريفات الجمركية. كما أعلنت الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، عن خطط لفرض تعريفات متبادلة.
تعززت الجهود الصينية لتحقيق الاستقرار في أسواق رأس المال المحلية. وأكدت الصين أنها لن ترضخ لما وصفته بالابتزاز من الولايات المتحدة. في هذا السياق، أشار توني سيكامور، محلل السوق لدى “آي جي”، إلى أن زيادة التعريفات الجمركية قد تؤدي إلى تراجع معنويات المخاطرة. وقال: “إذا ظلّت الصين ثابتة في مواقفها، فسيصل إجمالي معدل التعريفات الجمركية المفروضة على وارداتها إلى الولايات المتحدة إلى 104%، وهو ما قد يزيد من تقلبات الأسواق المالية ويعجل من تسارع الاقتصاد العالمي نحو الركود”.
وأشار استطلاع أولي أجرته وكالة “رويترز” يوم الاثنين إلى أن مخزونات النفط الخام والمقطرات في الولايات المتحدة من المتوقع أن ترتفع بنحو 1.6 مليون برميل. وهذا يشير إلى أن السوق يتوقع ضعفًا في الطلب على النفط في المستقبل القريب.
توقعات الإنتاج العالمي:
تتوقع أسواق النفط أن يشهد الإنتاج العالمي تحديات إضافية مع إعلان مجموعة أوبك+ عن خطط لزيادة الإنتاج. تعمل المجموعة التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءها على زيادة الإنتاج بشكل تدريجي. في مايو المقبل، من المتوقع أن تعيد أوبك+ ضخ 411 ألف برميل يوميًا إلى السوق، ارتفاعًا من 135 ألف برميل يوميًا كانت مقررة في البداية.
وفي نهاية الأسبوع، أكدت وزراء أوبك+ ضرورة الالتزام الكامل بأهداف الإنتاج المتفق عليها.
ودعوا المنتجين الذين يضخون أكثر من الحصة المقررة إلى تقديم خطط لتعويض الضخ الزائد بحلول 15 أبريل.
المستقبل في ضوء التصعيد التجاري:
من المتوقع أن يشهد المستقبل مزيدًا من التقلبات في أسواق النفط إذا استمر التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة والصين. في حال استمرت الحرب التجارية في التصاعد، فإن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على نمو الاقتصاد العالمي. الرسوم الجمركية المتبادلة بين البلدين قد تؤدي إلى تراجع في حجم التجارة العالمية.
مما يزيد من الضغط على الطلب على النفط.
كما أن التصعيد التجاري قد يؤدي إلى ارتفاع مستويات عدم اليقين في الأسواق المالية. قد يعاني المستثمرون من تقلبات حادة في أسواق الأسهم والسلع، بما في ذلك النفط. إذا تم فرض مزيد من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية أو الأمريكية، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة التكاليف على الشركات والمستهلكين .
مما يقلل من استهلاك الطاقة ويؤثر على مستويات الطلب.
زيادة الإنتاج وتأثيرها على الأسعار:
في ظل هذه الظروف، ستسعى الدول المنتجة للنفط، مثل دول أوبك+، إلى تعديل استراتيجيات الإنتاج الخاصة بها. على الرغم من التوقعات بزيادة الإنتاج في الأشهر القادمة، إلا أن ذلك قد يسبب تحديات كبيرة لسوق النفط. في حال استمرت الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة في رفع التعريفات الجمركية، فإن زيادة الإنتاج قد تؤدي إلى فائض في العرض.
مما يضغط على أسعار النفط.
إضافة إلى ذلك، سيستمر تأثير سياسة الإنتاج في أسواق النفط على أسعار الخام في الأجل القصير والطويل. زيادة العرض من دول أوبك+ قد تؤدي إلى تراجع الأسعار.
التأثيرات على الشركات الكبرى:
الشركات العالمية التي تعتمد على واردات النفط ستجد نفسها في مواجهة تحديات متزايدة. مع ارتفاع التكاليف بسبب الرسوم الجمركية، قد تتراجع أرباح الشركات التي تعمل في قطاعات الطاقة والصناعات الثقيلة. سيعاني المستهلكون أيضًا من ارتفاع الأسعار على السلع الأساسية، مما يخلق ضغطًا إضافيًا على الاقتصاد العالمي.
في الوقت نفسه، قد تواجه شركات الطاقة الكبرى ضغوطًا لتعديل استراتيجياتها الإنتاجية والتوسع في أسواق أخرى للتخفيف من آثار الرسوم الجمركية. في هذا السياق، سيتعين على الشركات التكيف مع المتغيرات التجارية العالمية، وتغيير مساراتها التجارية لتحقيق استدامة في الربحية.
تأثيرات طويلة المدى على النمو الاقتصادي:
على المدى البعيد، قد تؤدي الحرب التجارية إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في العديد من الدول. في حال استمر التصعيد بين الولايات المتحدة والصين، فإن الاقتصادات الكبرى قد تتعرض لانكماش في قطاعات متعددة، مثل الصناعة والخدمات. هذا التباطؤ في النمو سيؤثر على الطلب العالمي على النفط ويعزز من عدم الاستقرار.