حافظت أسعار النفط على استقرارها يوم الخميس، مدعومة بتوقعات متزايدة لزيادة محتملة في إنتاج تحالف أوبك+، رغم تصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين واستمرار التعقيدات النووية بين طهران وواشنطن. وبينما يراقب المستثمرون تلك المتغيرات، تظهر إشارات متضاربة من البيت الأبيض حول الرسوم الجمركية.
في بداية التعاملات، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت ثمانية سنتات، بنسبة 0.12%، لتسجل 66.20 دولارًا للبرميل. كما صعد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي تسعة سنتات، أو 0.14%، ليبلغ 62.36 دولارًا. وجاء هذا الارتفاع البسيط بعد انخفاض حاد بنسبة 2% في الجلسة السابقة.
تلك الخسارة جاءت عقب تقارير أشارت إلى وجود مقترحات من بعض أعضاء أوبك+ لتسريع وتيرة زيادة الإنتاج في يونيو. وذكرت رويترز نقلاً عن مصادر مطلعة، أن التحالف يدرس رفع الإنتاج للشهر الثاني على التوالي، ما أثار قلق الأسواق من تخمة عرض محتملة.
لكن في المقابل، خلقت التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين مناخًا غير مستقر. فقد أبدى البيت الأبيض مرونة محتملة بشأن التعريفات الجمركية، بينما نفت متحدثة رسمية لاحقًا نية الإدارة في خفض الرسوم من جانب واحد. هذه التناقضات أضعفت ثقة المستثمرين، رغم الآمال بتقارب في المفاوضات التجارية.
علاوة على ذلك، تسود حالة من الغموض حول مصير المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران. هذا الغموض ينعكس بشكل مباشر على التوقعات بشأن إمدادات النفط الإيرانية المستقبلية.
في هذا السياق، علّق محللو بنك “آي إن جي” بأن حالة عدم اليقين تضغط على معنويات الأسواق. وأضافوا أن الخلافات الداخلية في أوبك+ تؤثر أيضًا في التوجهات السعرية. وأشاروا إلى أن النفط تخلف عن الارتفاع الذي شهدته الأصول الخطرة الأخرى هذا الأسبوع، بسبب الانقسامات داخل التحالف النفطي.
إحدى الدول التي أثارت الجدل كانت كازاخستان، إذ أعلنت أنها ستضع مصالحها الوطنية فوق التزاماتها تجاه أوبك+. وأكدت أنها قد لا تلتزم تمامًا بحصتها الإنتاجية، رغم تجاوزها المستمر لها خلال العام الماضي.
الرسوم الجمركية الحالية غير قابلة للاستمرار
تاريخيًا، أدت هذه النزاعات إلى تداعيات حادة، منها انسحاب أنغولا من أوبك+ في عام 2023، نتيجة خلاف حول الحصص. ويخشى المستثمرون من تكرار السيناريو، مما قد يشعل حرب أسعار جديدة.
إلى جانب ذلك، قال وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت إن الرسوم الجمركية الحالية غير قابلة للاستمرار. وأوضح أن فرض رسوم بنسبة 145% على السلع الصينية و125% على السلع الأمريكية يضر بالنمو العالمي. وأضاف أن أي محادثات تجارية تحتاج إلى إعادة النظر في تلك السياسات أولًا.
لكن رغم هذه التصريحات، بدت الرسالة الرسمية من البيت الأبيض متباينة. إذ أوضحت المتحدثة باسم الرئاسة، كارولين ليفيت، أن الإدارة لا تنوي تخفيض الرسوم الجمركية أحاديًا. هذا التناقض زاد من تعقيد المشهد العام، ورفع من درجة عدم اليقين في السوق.
وفيما يتعلق بعوامل الدعم، لُوحظ أن بعض المستثمرين لا يزالون يعولون على احتمالات حدوث تقدم في الملف النووي الإيراني، وهو ما قد يساهم في استقرار الأسعار على المدى القصير. كما أن أي تحسن في العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة قد يرفع من الطلب العالمي على الطاقة.
لكن التحديات تبقى حاضرة. إذ لا تزال المخاوف من ركود اقتصادي عالمي تلقي بثقلها على توقعات الطلب. وتشير البيانات الأخيرة إلى تباطؤ في قطاعات صناعية كبرى داخل أوروبا وآسيا، ما قد يؤثر سلبًا على الاستهلاك النفطي خلال الربع الثاني من 2025.
وفي سياق منفصل، تبقى عيون المستثمرين مركزة على نتائج اجتماع أوبك+ القادم. وقد تتضح خلاله النوايا الحقيقية بشأن الالتزام بمستويات الإنتاج. ويتوقع كثيرون أن يشهد الاجتماع نقاشًا ساخنًا حول آليات ضبط السوق وتوزيع الحصص بشكل أكثر عدالة.
من جانب آخر، يرى محللون أن استمرار تذبذب الأسعار عند هذا النطاق يعكس حالة ترقب حذرة في السوق، إذ لم تعد العوامل الأساسية وحدها كافية لتحديد الاتجاه. بل أصبحت السياسة والرسوم والملفات الجيوسياسية عناصر حاسمة في توجيه الأسواق.
خلافات أوبك+ تدفع أسعار النفط للتراجع رغم صعود الأصول الخطرة
بينما دفعت شهية المخاطرة المستثمرين نحو الأصول الخطرة، تراجع النفط عن الركب يوم أمس. حيث انخفض خام برنت بنسبة 2% تقريبًا، مستقرًا دون 87 دولارًا للبرميل. وحدث ذلك بالتزامن مع تصاعد الخلافات داخل أوبك+ بشأن الإنتاج، مما عزز المخاوف من تخمة معروض محتملة في السوق.
أعلنت كازاخستان أنها غير قادرة على تقليص إنتاجها النفطي، مفضلةً حماية مصالحها الاقتصادية على حساب التزاماتها تجاه التحالف. وتعليقًا على ذلك، أشار محللو “ING”، إيوا مانثي ووارن باترسون، إلى أن هذه التصريحات تقوّض وحدة أوبك+، وتزيد من الضغوط على أسعار الخام.
في السياق ذاته، تضخ كازاخستان كميات من الخام تتجاوز بكثير سقفها الإنتاجي، مستفيدةً من توسعة حقل تنجيز. وأدى ذلك إلى مطالبات متزايدة من دول أخرى داخل أوبك+ لرفع الإمدادات بشكل كبير في يونيو المقبل. يُذكر أن أوبك+ فاجأت السوق أوائل أبريل بزيادة قدرها 411 ألف برميل يوميًا لشهر مايو، متجاوزة الخطة الأصلية البالغة 138 ألف برميل فقط.
وتأتي هذه الزيادة غير المتوقعة وسط ضعف في توقعات الطلب العالمي. حيث ما تزال التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة تلقي بظلالها على الاستهلاك العالمي، مما يزيد من هشاشة التوازن في سوق الطاقة.
رغم هذه التحديات، حافظ فارق توقيت خام برنت في بورصة إنتركونتيننتال (ICE) على بعض القوة. إذ لا يزال يُتداول دون دولار واحد للبرميل، وهو ما يعكس شحًا في المعروض الفوري. هذه الإشارة تعزز من احتمالات التوازن السعري على المدى القصير، رغم الضغوط المستمرة من جانب المعروض.
في المقابل، كشفت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن زيادة طفيفة في مخزونات النفط الخام، بلغت 244 ألف برميل فقط خلال الأسبوع الماضي. جاءت هذه الزيادة متناقضة مع توقعات سابقة صدرت عن معهد البترول الأمريكي، والذي أشار إلى انخفاض حاد قدره 4.75 مليون برميل.
ورغم هذا التباين، أظهرت بيانات المنتجات المكررة إشارات إيجابية للأسواق. فقد تراجعت مخزونات البنزين بمقدار 4.48 مليون برميل.
تظل الأسواق في حالة ترقب
بينما انخفضت المقطرات بنحو 2.35 مليون برميل. هذا الانخفاض يعكس ارتفاعًا في الطلب الضمني، خاصة مع صعود استهلاك البنزين بنحو 952 ألف برميل يوميًا مقارنة بالأسبوع السابق.
وواصلت مخزونات البنزين تراجعها للأسبوع الثامن على التوالي، لتسجل أدنى مستوياتها منذ ديسمبر الماضي. وقد أدى هذا التراجع إلى ارتفاع هوامش أرباح البنزين (RBOB)، وهو ما يعكس تحسنًا في ربحية التكرير على المدى القصير.
في ضوء هذه المعطيات، تظل الأسواق في حالة ترقب. فالخلافات داخل أوبك+ من جهة، والتقلبات في البيانات الأمريكية من جهة أخرى، يخلقان مزيجًا معقدًا يعزز من حالة عدم اليقين. لذلك، يركز المتداولون الآن على نتائج اجتماع أوبك+ المرتقب، والذي قد يحمل مفاجآت إضافية بشأن اتجاهات الإنتاج خلال النصف الثاني من العام.
وفي هذا السياق، أشار خبير الطاقة في “كوميرز بنك”، دانيال هاينز، إلى أن السوق حالياً تتفاعل بشكل لحظي مع كل إشاعة أو تصريح. وأوضح أن الأسعار قد تشهد تقلبات كبيرة في المدى القصير إذا لم تظهر إشارات واضحة من أوبك+ والبيت الأبيض.
ختامًا، ورغم بعض التحسن الطفيف في الأسعار صباح الخميس، تبقى حالة الترقب والقلق مهيمنة. فالأسواق تنتظر بوضوح خطوات حقيقية من صانعي القرار، سواء في واشنطن أو الرياض أو طهران، قبل أن ترسم اتجاهًا صاعدًا أو هابطًا ثابتًا في الفترة المقبلة.