تشهد أسعار النفط العالمية تحركات لافتة في الآونة الأخيرة. جاء هذا التغير مدفوعًا بعدة عوامل متشابكة، أبرزها القرارات التجارية الأمريكية وبيانات واردات الصين النفطية. وبينما يحاول المستثمرون فهم هذه التحولات، تتسع الفجوة بين التفاؤل الحذر والقلق من التباطؤ الاقتصادي.
الإعفاءات الجمركية تمنح الأسواق دفعة جديدة
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سلسلة إعفاءات جمركية تشمل المنتجات الإلكترونية المستوردة. وقد ساهم هذا الإعلان في رفع ثقة الأسواق، لا سيما السلع المرتبطة بالنمو الاقتصادي مثل النفط.
عادت العقود الآجلة لخام برنت إلى مستويات تقارب 65 دولارًا للبرميل، في حين لامس خام غرب تكساس الوسيط 61.66 دولار. رغم أن الارتفاعات لا تبدو كبيرة، فإن أثرها النفسي على المستثمرين كان واضحًا.
عززت هذه الإعفاءات التوقعات بإعادة ضبط السياسات الجمركية على السيارات وقطع غيارها المستوردة من كندا والمكسيك. وقد أُشير إلى إمكانية تخفيض الرسوم البالغة 25%، مما أرسل إشارات إيجابية إلى السوق.
ومع أن الأسواق تلقت الأخبار بإيجابية، فإن بعض المحللين عبّروا عن شكوكهم. فقد أوضحت تينا تنغ، محللة السوق، أن تقلبات قرارات ترامب تجعل من الصعب التنبؤ باتجاه السياسة التجارية الأمريكية.
البيانات الصينية تدعم الطلب العالمي
في الجانب الآخر من الكرة الأرضية، كشفت بيانات حديثة عن ارتفاع واردات الصين من النفط الخام بنسبة 5% مقارنة بالعام الماضي. يمثل هذا الارتفاع إشارة إلى أن بكين تستعد لاحتمال تراجع الإمدادات الإيرانية، خصوصًا مع زيادة حدة العقوبات الأمريكية. و ارتفعت مشتريات الصين من النفط الإيراني والروسي خلال مارس، مما ساعد على تعويض بعض المخاوف المرتبطة بالعرض. هذه الأرقام أعطت دفعة قوية لأسعار النفط، خاصة في ظل تراجع توقعات الطلب من قبل أوبك.
كذلك تُعد كونوكو فيليبس من أبرز المستفيدين من انخفاض التكاليف. حيث تحتفظ بأكثر من 20 مليار برميل من الموارد، بتكلفة أقل من 40 دولارًا. كما ساهم استحواذها على ماراثون أويل في توسيع احتياطياتها. أما شيفرون، فقد حافظت على أداء قوي بفضل دمجها بين الإنتاج والتكرير.
التوترات التجارية تهدد الاستقرار
رغم الدعم الظاهري من الصين والولايات المتحدة، لم تتبدد المخاوف بعد. ما زالت الحرب التجارية قائمة، وقد تصاعدت حدة النزاع بين واشنطن وبكين عقب رفع ترامب للرسوم الجمركية على السلع الصينية.
ردّت بكين برفع رسومها إلى 125% على بعض المنتجات الأمريكية. ومع تصاعد التوترات، ظهرت مخاوف من تراجع النمو العالمي، وهو ما قد ينعكس سلبًا على استهلاك الوقود.
تُرجمت هذه المخاوف إلى مراجعات هبوطية لتوقعات أسعار النفط. على سبيل المثال، خفض بنك جولدمان ساكس متوسط سعر خام برنت المتوقع لعام 2025 إلى 63 دولارًا، بينما قلّصت شركة بي إم آي تقديراتها من 76 إلى 68 دولارًا.
التداعيات على السوق الأمريكي
تعكس الإجراءات الأمريكية تأثيرًا مزدوجًا. فمن جهة، تدعم إعفاءات الرسوم الأسواق، ومن جهة أخرى، تؤدي سياسات عدم الاستقرار إلى تقليص ثقة المستثمرين.
في سياق متصل، أظهرت بيانات من شركة بيكر هيوز أن شركات الطاقة الأمريكية خفّضت عدد منصات الحفر بأكبر وتيرة منذ يونيو 2023. يُعزى هذا القرار إلى المخاوف من انخفاض الطلب وضعف العوائد في المدى القصير.
هل يُعزز الملف الإيراني ارتفاع الأسعار؟
يُعد الملف النووي الإيراني عاملًا مؤثرًا آخر. فقد هدّدت الولايات المتحدة بإيقاف صادرات النفط الإيراني بالكامل، في محاولة للضغط على طهران. وفي ظل هذا التصعيد، قد تتقلص الإمدادات العالمية، مما قد يُنعش الأسعار.
في المقابل، بدأت محادثات بين الجانبين في سلطنة عُمان خلال عطلة نهاية الأسبوع. ووصِفت هذه المحادثات بالإيجابية، ما قد يفتح بابًا لتخفيف التوتر، وبالتالي تهدئة السوق.
هل تتأثر أسهم شركات النفط؟
مع تقلب أسعار النفط، يتغير أداء شركات الطاقة. رغم التراجع النسبي في الأسعار، أظهرت بعض الشركات مرونة ملحوظة، بفضل تكاليف إنتاج منخفضة وموارد ضخمة. و تعتبر ديفون إنرجي مثالًا على ذلك. تمتلك الشركة آلاف المواقع القادرة على تحقيق أرباح حتى عند سعر 40 دولارًا للبرميل. وهي تخطط لإعادة نحو 70% من فائض السيولة إلى المساهمين.
ما الذي ينتظر السوق في المستقبل القريب؟
الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين
أي تصعيد جديد بين القوتين الاقتصاديتين قد يؤدي إلى تباطؤ النمو العالمي.
ضعف النمو سيُقلل الطلب على الوقود، ما قد يضغط على الأسعار. في المقابل، أي تهدئة أو اتفاق تجاري بين الجانبين سيُنعش الثقة بالسوق.
ملف إيران والعقوبات الأمريكية
استمرار تشديد العقوبات قد يُقلل المعروض العالمي، ما يدعم الأسعار. و إذا تم التوصل إلى اتفاق نووي جديد، فقد تعود صادرات النفط الإيرانية للأسواق، مما يؤدي إلى تراجع الأسعار.
الطلب الصيني على النفط
الصين تُعد المستورد الأول عالميًا، وبالتالي فإن أي ارتفاع في وارداتها يُعد مؤشرًا إيجابيًا. لكن، إذا واجه الاقتصاد الصيني تباطؤًا إضافيًا، فقد ينخفض الطلب وتبدأ الأسعار في التراجع.
قرارات أوبك وتحالف أوبك+
من المرجح أن تُبقي أوبك على سياسة خفض الإنتاج لدعم الأسعار. لكن إذا بدأت بعض الدول بالإنتاج خارج الحصص المتفق عليها، فقد يؤدي ذلك إلى فائض في السوق.
التقنيات البديلة والطاقة النظيفة
الاتجاه العالمي نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري قد يُضغط على أسعار النفط في الأمد الطويل. لكن هذا التأثير سيبقى محدودًا في المستقبل القريب بسبب عدم نضج البدائل بالكامل بعد.
حالة الأسواق المالية العالمية
أسعار النفط تتأثر بشدة بعوامل نفسية مرتبطة بأسواق الأسهم، وأسعار الفائدة، ومعدلات التضخم. تحسن معنويات المستثمرين قد يؤدي إلى شراء أوسع للسلع، ومنها النفط.
هل الوقت مناسب للاستثمار في النفط؟
رغم التحديات، يرى البعض في هذه الفترة فرصة استثمارية. إذ تظل شركات مثل ديفون وكونوكو وشيفرون قوية من حيث الهيكلة المالية. ومع قدرة هذه الشركات على توليد تدفقات نقدية حتى في ظل أسعار منخفضة، قد يكون من الحكمة دراسة الاستثمار فيها بدلًا من الترق السلبي. لكن، لا بُدّ من الحذر، لأن الأسواق قد تتحرك في أي اتجاه. لذلك، من الأفضل أن يُبنى القرار الاستثماري على تقييم شامل للمخاطر، وليس فقط على أداء الشركات أو الأخبار الإيجابية العابرة.