شهدت أسواق المال العالمية يوم الاثنين ارتفاعًا ملحوظًا في أسهم قطاع التكنولوجيا، وخاصة أسهم شركات الإلكترونيات الكبرى. جاء هذا التحسن بعد أن أبدى المستثمرون تفاؤلًا حذرًا بشأن احتمالية تخفيف القيود التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وبشكل خاص، ركز المستثمرون على إمكانية استثناء بعض منتجات التكنولوجيا من الرسوم الجمركية الجديدة.
التفاؤل يدفع أسهم التكنولوجيا للارتفاع
ارتفعت أسهم شركة Apple بنسبة 5.7% خلال تعاملات ما قبل افتتاح السوق الأمريكي. كما ارتفعت أسهم شركة Nvidia بنسبة 3%، وشركة Dell Technologies صعدت بنسبة 7.8%. تعكس هذه الارتفاعات تفاؤل المستثمرين بشأن مستقبل العلاقات التجارية مع الصين. في المقابل، استمرت حالة من الترقب بشأن تفاصيل الإجراءات الجمركية القادمة.
خلفية الموقف التجاري
في السنوات الأخيرة، فرضت الولايات المتحدة عدة رسوم جمركية على الواردات الصينية، خاصة في عهد إدارة ترامب. وقد طُبقت هذه الرسوم على مجموعة كبيرة من السلع، بما فيها الأجهزة الإلكترونية الدقيقة. ومع تصاعد التوترات التجارية، أصبحت الشركات التكنولوجية قلقة من التأثير المحتمل على سلاسل التوريد. لكن مؤخرًا، صدرت مؤشرات توحي بإمكانية استثناء بعض المنتجات من هذه الرسوم.
تصريحات وزير التجارة الأميركي
قال وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، إن استثناء الإلكترونيات من الرسوم الجمركية إجراء مؤقت فقط. وذكر أن الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة لن تشملها التعريفات الحالية، ولكنها ستُدرج قريبًا. وأضاف: “هذه المنتجات ستخضع لتعريفات مرتبطة بقطاع أشباه الموصلات خلال الشهرين المقبلين”. تصريحه أعاد بعض الغموض للمشهد، رغم التفاؤل المؤقت في الأسواق.
استمرار الغموض حول السياسات
أشار لوتنيك إلى أن الإعفاء ليس دائمًا، بل مؤقت، ويعتمد على التطورات السياسية والتجارية. وأوضح أن التعريفات القادمة ستركّز على القطاعات المرتبطة بالأمن القومي، ولن تكون خاضعة للتفاوض. هذا النوع من التصريحات يربك الأسواق، ويزيد التوتر بين المستثمرين وصناع القرار.
موقف إدارة الجمارك الأميركية
في يوم الجمعة، أكدت إدارة الجمارك أن بعض المنتجات الإلكترونية أُعفيت من الرسوم الجمركية البالغة 145%. تُطبق هذه الرسوم بموجب الإطار التجاري الجديد الذي استحدثته الإدارة الأميركية مؤخرًا. ومع ذلك، لم تُمنح هذه المنتجات إعفاءً دائمًا، بل خضعت فقط لتحويل ضمن فئة تعريفة مختلفة. ويعني ذلك أن الأجهزة لا تزال تحت ضغط محتمل إذا أعيد تصنيفها مستقبلاً.
ردود الأفعال السياسية
دخل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على الخط، بتصريح نشره على منصة Truth Social. قال ترامب: “لن يفلت أحد من العقاب على الاختلالات التجارية غير العادلة”، في إشارة إلى الصين. اتهم وسائل الإعلام بتضليل الجمهور وعدم ذكر أن المنتجات لا تزال خاضعة لتعريفات معينة. وأضاف أن تعريفة الفنتانيل بنسبة 20% ما زالت تُطبق على فئات معينة من السلع.
أثر الأخبار على الأسواق العالمية
لم يقتصر تأثير هذه الأنباء على الأسواق الأميركية فقط، بل شمل أيضًا الأسواق الأوروبية والآسيوية. ففي آسيا، سجلت شركات تصنيع هواتف آيفون ارتفاعات قوية، ما دعم الأسواق الإقليمية. وأظهرت مؤشرات السوق الآسيوي تعافيًا جزئيًا في قطاع التكنولوجيا بعد أسابيع من التراجع. في أوروبا، شهدت بورصات التكنولوجيا أيضًا تحسنًا نتيجة الأخبار الإيجابية من واشنطن.
تحليلات السوق وتعليقات الخبراء
قالت ستايسي راسجون، محللة التكنولوجيا في شركة بيرنشتاين، إن ترامب ربما يبحث عن ذريعة جديدة للتصعيد. وأضافت: “لكن أفعاله تركت للصين هامشًا ضئيلًا للمناورة السياسية”. ورأت أن إعفاء بعض المنتجات يُمكن اعتباره بداية محتملة لحوار اقتصادي أكثر فاعلية. وأشارت إلى أن مثل هذه الإعفاءات قد تُستخدم كوسيلة ضغط تفاوضية مستقبلًا.
مستقبل العلاقات التجارية
ما زال الغموض يحيط بالسياسات الجمركية بين واشنطن وبكين، خاصة في ظل الخطاب السياسي المتوتر. لكن الواضح أن قطاع التكنولوجيا يلعب دورًا محوريًا في هذا الصراع. فالشركات الأميركية تعتمد على مكونات وأشباه موصلات صينية لإنتاج أجهزتها. وفي الوقت نفسه، تُعد هذه المنتجات ذات أهمية استراتيجية، مما يعقّد عملية اتخاذ القرار.
الأثر المحتمل على المستهلكين
تؤثر السياسات الجمركية الجديدة بشكل مباشر على المستهلك النهائي. عندما تُفرض رسوم على الأجهزة الإلكترونية، ترتفع الأسعار في المتاجر. نتيجة لذلك، يُصبح شراء هاتف جديد أو كمبيوتر محمول أمرًا أكثر كلفة. هذا الارتفاع قد يدفع البعض لتأجيل الشراء أو البحث عن بدائل أرخص.
علاوة على ذلك، تعتمد الكثير من الأسر على الأجهزة التقنية في العمل والدراسة. لذا، أي زيادة في الأسعار تُسبب عبئًا إضافيًا على الميزانيات المحدودة. من جهة أخرى، يمكن أن تؤثر التكاليف المرتفعة على الشركات الصغيرة أيضًا. فالشركات التي تشتري أجهزة للمكاتب قد تُقلل مشترياتها أو تؤجلها.
في حال استمرار الإعفاءات، قد تظل الأسعار مستقرة نسبيًا في الأسواق المحلية. وهذا يُعطي المستهلكين بعض الاطمئنان على المدى القصير. ومع ذلك، يبقى الخطر قائمًا إذا قررت الحكومة إعادة فرض الرسوم. بالمقابل، يمكن أن تلجأ بعض الشركات لتقليل المواصفات بهدف الحفاظ على الأسعار. هذا الخيار قد يؤثر على جودة المنتجات المتاحة للمستهلك. أو قد تتجه الشركات إلى استيراد قطع غيار أرخص من دول أخرى غير الصين. لكن هذا الحل قد لا يُناسب كل القطاعات، خصوصًا المنتجات عالية التقنية. يظل المستهلك في موقع المتأثر الأول بأي قرار جمركي جديد. لذلك، من الضروري متابعة المستجدات والتخطيط المالي بعناية خلال الفترة المقبلة.
التحديات أمام صُنّاع القرار
يواجه صُنّاع القرار في الولايات المتحدة تحديات معقدة عند التعامل مع الملف التجاري الصيني. من جهة، تسعى الإدارة لحماية الصناعات الوطنية من المنافسة غير العادلة القادمة من الخارج.رومن جهة أخرى، تخشى من ارتفاع الأسعار الذي قد يُرهق المستهلك الأميركي. هذا التوازن الصعب يفرض قرارات دقيقة، لا يمكن اتخاذها بسرعة أو دون دراسة شاملة.
علاوة على ذلك، يشكّل الأمن القومي أحد أبرز المحاور في هذه المعادلة السياسية والاقتصادية. فالكثير من المنتجات التكنولوجية تُستخدم في قطاعات حساسة كالدفاع والاتصالات. بالتالي، لا يقتصر الأمر على أرقام تجارية، بل يمتد إلى حسابات أمنية واستراتيجية.