يشكل مؤشر الإنتاجية غير الزراعية (Prelim Nonfarm Productivity) مقياسًا مهمًا لتحليل كفاءة العمل والإنتاج في الاقتصاد الأمريكي. يعكس هذا المؤشر التغير السنوي في كفاءة العمل لإنتاج السلع والخدمات، مع استثناء قطاع الزراعة، ويصدر عن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي على أساس ربع سنوي. في التقرير الأخير، بلغ معدل الإنتاجية الأولي للربع الأخير 2.6%، متجاوزًا التوقعات التي كانت عند 2.5%.
يُعتبر هذا الأداء فوق المتوقع إشارة إيجابية على كفاءة الاقتصاد في إنتاج السلع والخدمات بأقل تكلفة ممكنة. تؤثر نتائج الإنتاجية غير الزراعية بشكل كبير على الأسواق المالية، حيث يرتبط هذا المؤشر بتكاليف العمالة والتضخم الناتج عنها. انخفاض إنتاجية العامل يمكن أن يعادل زيادة في تكاليف الأجور؛ فعندما يتراجع أداء العمالة، ترتفع التكاليف على الشركات مما يؤدي إلى تأثيرات تضخمية عبر رفع الأسعار على المستهلكين.
بالنسبة للمتداولين، يُعتبر ارتفاع الإنتاجية مفيدًا للعملة، حيث يُظهر الاقتصاد كفاءة أكبر في الإنتاج. لذلك، يُعطي هذا المؤشر مؤشراً على مدى تأثير تكاليف العمل على التضخم وأسعار السلع.
ما يميز هذا التقرير أن نتائجه تُعرض بصيغة سنوية على الرغم من كونه بيانات ربع سنوية، حيث يتم مضاعفة التغير ربع السنوي في الإنتاجية إلى أربعة أضعاف ليُعرض كنسبة سنوية. يتم إصدار نسختين من هذا التقرير: الإصدار الأولي، الذي يُصدر في وقت مبكر.
ويكون له عادةً التأثير الأكبر على الأسواق، والإصدار المعدّل، الذي يُنشر بعده بشهر ويعكس التعديلات النهائية.
تتيح بيانات الإنتاجية غير الزراعية للمتداولين والمستثمرين فهماً أعمق لكيفية تأثير الإنتاجية وتكاليف العمل على التضخم الاقتصادي واتجاهات أسعار الفائدة. يعتبر هذا المؤشر أحد العوامل الأساسية التي تُؤخذ في الحسبان عند تقييم الأداء الاقتصادي الأمريكي والسياسة النقدية المستقبلية للاحتياطي الفيدرالي، خاصةً في بيئة اقتصادية تتسم بتقلبات الأسواق وارتفاع الضغوط التضخمية.
تأثير ارتفاع الإنتاجية غير الزراعية على التضخم
يُعدّ ارتفاع الإنتاجية غير الزراعية مؤشرًا مهمًا يؤثر بشكل مباشر على التضخم. فعندما ترتفع إنتاجية العاملين في القطاعات غير الزراعية، يصبح الاقتصاد قادرًا على إنتاج المزيد من السلع والخدمات بتكلفة أقل.
مما يُقلل من الضغط على الشركات لرفع أسعار منتجاتها. ويحدث هذا لأن كفاءة العمل تعني أن الشركات تستطيع الحصول على نفس القدر من الإنتاج بموارد أقل.
مما يقلل من تكاليفها التشغيلية، وبالتالي يقلل من الحاجة إلى زيادة الأسعار لتعويض تلك التكاليف.
ارتفاع الإنتاجية يعمل كعامل مُثبّط للتضخم، حيث أن تحسن كفاءة الإنتاج يُعني توفر المنتجات والخدمات بكميات أكبر وبأسعار أقل.
ما يؤدي إلى توازن بين العرض والطلب دون زيادة كبيرة في الأسعار. كما أن ارتفاع الإنتاجية يمكن أن يحد من ضغوط الأجور؛ فعندما يصبح العامل أكثر إنتاجية، تكون الشركات أقل حاجة إلى زيادة الأجور لتعويض نقص الإنتاج.
مما يؤدي إلى استقرار تكاليف العمالة ويُقلل من التضخم المرتبط بتكاليف الأجور.
يؤثر ارتفاع الإنتاجية غير الزراعية كذلك على السياسة النقدية للبنك المركزي.
حيث أن مستويات التضخم تُعد أحد المؤشرات الرئيسية التي يعتمد عليها البنك في قراراته بشأن أسعار الفائدة. فعندما تُظهر البيانات أن الإنتاجية مرتفعة والتضخم تحت السيطرة.
قد يختار الاحتياطي الفيدرالي تبني سياسة نقدية أقل تشددًا، مما يدعم النمو الاقتصادي من خلال الحفاظ على أسعار فائدة منخفضة.
بالمقابل، في حال كان التضخم مرتفعًا والإنتاجية منخفضة، يضطر البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم.
مما قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي. ومع ذلك، لا يعني ارتفاع الإنتاجية دائمًا القضاء على التضخم بالكامل، بل قد يسهم في تخفيف حدة التضخم. ففي اقتصاد يعتمد على الاستهلاك، قد تؤدي زيادة الإنتاجية إلى زيادة الطلب، نظرًا لتحسن أوضاع العمالة وارتفاع الأجور بشكل طبيعي بمرور الوقت.
مما يؤدي إلى استمرارية نمو الأسعار ولكن بمعدل أقل من المعتاد.
العلاقة بين الإنتاجية غير الزراعية وتكاليف الأجور
تعتبر العلاقة بين الإنتاجية غير الزراعية وتكاليف الأجور من أهم الروابط التي تؤثر في استقرار الاقتصاد وسوق العمل. عندما يرتفع مستوى الإنتاجية في القطاع غير الزراعي، يعكس ذلك قدرة العمال على إنتاج المزيد من السلع والخدمات في وقت أقل.
مما يؤدي إلى زيادة الكفاءة في استخدام الموارد. هذا التحسن في الإنتاجية يعني أن الشركات يمكنها تحقيق المزيد من الإنتاج بتكلفة أقل.
وبالتالي فإنها تصبح أقل حاجة إلى زيادة تكاليف الأجور لتحفيز العمال على زيادة الإنتاج.
على المدى القصير، قد يؤدي تحسن الإنتاجية إلى استقرار أو حتى تقليص التكاليف التي تتحملها الشركات فيما يخص الأجور. فمع تحسن كفاءة العاملين وزيادة الإنتاجية، يمكن للشركات أن تحافظ على أو حتى تخفض الأجور دون التأثير على قدرتها على تلبية الطلب. في بعض الحالات، قد تتمكن الشركات من تقديم أجور ثابتة مع تحسين الشروط الاقتصادية، دون أن يشعر العمال بتدهور في مستوى معيشهم.
حيث أن الإنتاجية العالية تعني أنهم يمكنهم الحصول على نفس القدر من الدخل بجهد أقل.
لكن على المدى الطويل، تظل العلاقة بين الإنتاجية وتكاليف الأجور وثيقة. فكلما زادت إنتاجية العاملين بشكل مستدام، يصبح من الممكن تعديل الأجور بشكل أكبر ليتناسب مع الزيادة في الإنتاج. يتم ذلك لأن العمال الذين أصبحوا أكثر كفاءة في عملهم عادةً ما يطالبون بزيادة في الأجور، مما يعكس الجهود المبذولة في تحسين الإنتاج. ونتيجة لذلك، تنشأ ضغوط على الشركات لزيادة الأجور لتعكس الزيادة في الإنتاجية، خاصة في القطاعات التي تعتمد على المهارات العالية.
ومع ذلك، فإن هذه الزيادة في الأجور لا تكون دائمًا موازية تمامًا لزيادة الإنتاجية.
حيث تعتمد الشركات على عدة عوامل مثل المنافسة في سوق العمل، والظروف الاقتصادية العامة، ومدى قدرة السوق على استيعاب زيادة الأجور دون التأثير الكبير على الأسعار.