تراجع إنتاج القطاع الخاص الفرنسي مجددًا إلى أدنى مستوى منذ أبريل 2020

استمر التباطؤ الاقتصادي الفرنسي بنهاية الربع الأول من العام، وفقًا لأحدث بيانات مسح مؤشر مديري المشتريات “فلاش” الصادر عن شركة HCOB. هذا التراجع أدى إلى تمديد فترة انخفاض إنتاج القطاع الخاص إلى سبعة أشهر متتالية. وقد تراجع الطلب على السلع والخدمات الفرنسية مجددًا، مع تسجيل المزيد من خسائر الوظائف. وفيما يتعلق بتوقعات الشركات للعام المقبل، كانت التوقعات متشائمة للغاية، إذ بلغت ثقة الأعمال أدنى مستوى لها منذ ما يقرب من خمس سنوات.

على الرغم من النتائج التي أظهرت هشاشة الاقتصاد الفرنسي بشكل عام، فقد ظهرت بعض البوادر الإيجابية في قطاع التصنيع، حيث تراجع الإنتاج بشكل طفيف وبأبطأ وتيرة منذ بداية فترة الانكماش في يونيو 2022. لكن يبقى قطاع الخدمات هو العامل الأساسي الذي يؤثر بشكل رئيسي على النشاط الاقتصادي العام في فرنسا.

سجل مؤشر مديري المشتريات المركب في مارس 47.0 نقطة، ما يشير إلى انكماش معتدل في نشاط القطاع الخاص. بالرغم من ذلك، فقد ارتفع المعدل عن فبراير الذي سجل 45.1 نقطة، مما يدل على تراجع أبطأ مقارنة مع الرقم القياسي المسجل في فبراير، الذي كان الأسوأ في 13 شهرًا.

على الرغم من تراجع الإنتاج في قطاعي التصنيع والخدمات، فقد تباطأ انخفاض الإنتاج في قطاع السلع بشكل ملحوظ مقارنة بشهر فبراير. ووفقًا للتقارير، أثرت الظروف المتدهورة في قطاع السيارات ومشاكل النقل بشكل سلبي على إنتاج المصانع. مع ذلك، أشار بعض الشركات إلى تحسن طفيف في المبيعات وإطلاق منتجات جديدة. كما سجل مزودو الخدمات انخفاضًا طفيفًا في النشاط، وهو الانخفاض الذي يعد ثاني أكبر انخفاض منذ يناير 2024. وتشير التقارير إلى أن التوترات الاقتصادية والجيوسياسية، بالإضافة إلى انخفاض الاستفسارات، ساهمت في تراجع إنتاج الخدمات.

انخفضت تراكمات الأعمال بشكل أكبر بنهاية الربع الأول

في مارس، انخفض إجمالي الطلبات الجديدة التي تلقتها الشركات في القطاع الخاص، وهو ما استمر منذ مايو 2024. ومع ذلك، كان الانخفاض أقل حدة مقارنة بالشهر السابق، مما يشير إلى تراجع أبطأ في إيرادات الأعمال الجديدة في كل من قطاعي التصنيع والخدمات. وفيما يتعلق بالطلب الخارجي، فقد انخفض بشكل طفيف في مارس، وإن كان هذا الانخفاض أقل وضوحًا مقارنة بالفترات السابقة.

انخفضت تراكمات الأعمال بشكل أكبر بنهاية الربع الأول، ما أدى إلى تمديد فترة الاستنزاف الحالية إلى 20 شهرًا متتاليًا. وقد أشار المسح إلى أن المشاريع القائمة قد انتهت بسبب نقص الأعمال الجديدة الواردة. وكان هناك أيضًا انخفاض قوي في حجم الطلبات القائمة بشكل عام.

فيما يخص التوظيف، أظهرت نتائج المسح انخفاضًا في أعداد رواتب القطاع الخاص للشهر الرابع على التوالي.

وهو أطول سلسلة من فقدان الوظائف منذ أواخر عام 2020. ومع ذلك، كانت تخفيضات القوى العاملة مقتصرة على قطاع الخدمات، بينما شهد قطاع التصنيع زيادة في مستويات التوظيف لأول مرة منذ مايو 2023.

تزامن هذا الانخفاض في التوظيف مع تدهور في ثقة الشركات الفرنسية خلال مارس. حيث توقعت الشركات تراجعًا في مستويات النشاط خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة. وتعتبر معنويات السوق في أدنى مستوياتها منذ ما يقرب من خمس سنوات. وأشارت الشركات إلى عدم اليقين المحلي والدولي.

بالإضافة إلى الضغوط التنافسية وضعف الظروف الاقتصادية في بعض الصناعات الكبرى مثل السيارات والبناء والزراعة، كأسباب رئيسية لهذا التشاؤم.

أما بالنسبة للأسعار، فقد أظهرت بيانات مسح مارس انخفاضًا في ضغوط التكلفة.

حيث ارتفعت أسعار المدخلات بأبطأ وتيرة خلال ثلاثة أشهر. على الرغم من هذا التراجع في ضغوط التكلفة، فقد ارتفعت أسعار السلع والخدمات الفرنسية بشكل طفيف، دون تغير كبير عن فبراير. وكان قطاع الخدمات هو المسؤول الرئيسي عن تضخم الأسعار، حيث قام المصنعون بتخفيض أسعار السلع الخاصة بهم.

يواجه الاقتصاد الفرنسي صعوبة في استعادة زخمه

تشير نتائج المسح إلى أن الاقتصاد الفرنسي يعاني من تباطؤ مستمر في القطاع الخاص. يشير الانخفاض في ثقة الشركات واستمرار ضعف الطلب إلى استمرار التحديات الاقتصادية على المدى القريب. بينما قد يشهد قطاع التصنيع بعض التحسن، يبقى قطاع الخدمات في وضع ضعيف، مما يعكس صورة غير مستقرة للاقتصاد الفرنسي في الوقت الراهن.

في تعليقه على بيانات مؤشر مديري المشتريات الفوري، صرح الدكتور طارق كمال شودري، الخبير الاقتصادي في بنك هامبورغ التجاري، قائلاً: “يواجه الاقتصاد الفرنسي صعوبة في استعادة زخمه. ورغم تحسن مؤشر مديري المشتريات الفوري الفرنسي الصادر عن HCOB في مارس مقارنةً بالشهر السابق.

إلا أنه لا يزال في منطقة الانكماش. كما أن المشهد السياسي الفرنسي، الذي أثر سلبًا على معنويات السوق في الأشهر الأخيرة، شهد بعض الاستقرار في الآونة الأخيرة. إذ تم إقرار قانون الموازنة المؤجل لعام 2025 في فبراير، مما ساعد على تجنب خفض التصنيف الائتماني.

لكن تبقى هناك درجة كبيرة من عدم اليقين بشأن السياسات الاقتصادية المستقبلية.”

وتابع قائلاً: “على الرغم من معاناة الصناعة الفرنسية، توجد بعض المؤشرات على التحسن. فقد حقق مؤشر مديري المشتريات الفوري لقطاع التصنيع قفزة كبيرة مقارنة بالشهر السابق.

رغم أنه لا يزال يشير إلى تدهور في ظروف التشغيل. وقد أشار المشاركون في المسح إلى أن عدم اليقين المحلي والدولي، والضغوط التنافسية، وضعف الطلب في قطاعات رئيسية مثل السيارات والبناء والزراعة، تُعد أسبابًا رئيسية لضعف التوقعات. ومع ذلك، ارتفعت الآمال في تحسن النشاط إلى أعلى مستوى لها في تسعة أشهر.”

وفيما يتعلق بقطاع الخدمات، أضاف الدكتور طارق: “لم تُبدِ بيانات مؤشر مديري المشتريات الأولي لقطاع الخدمات أي انفراجة في مارس. وعلى الرغم من انخفاض نشاط الأعمال بشكل طفيف مقارنةً بالشهر السابق، فإن معدل الانخفاض ظل قويًا. وقد ألقت حالة عدم اليقين الاقتصادي، والتوترات الجيوسياسية، وانخفاض الطلب بثقلها على إنتاج قطاع الخدمات. الخبر المطمئن الوحيد هو أن ضغوط تكاليف المدخلات قد خفت إلى حد ما، بينما تحسن قدرة مقدمي الخدمات على التسعير بشكل طفيف.”

مقالات ذات صلة