إن إنفاق المستهلك هو أحد العوامل الأساسية التي تحدد اتجاهات الاقتصاد الفرنسي. على مر السنين، سجلت فرنسا تباينًا كبيرًا في معدلات إنفاق المستهلكين، وهو ما يعكس التغيرات الاقتصادية التي تؤثر على المجتمع. شهدت الفترة الأخيرة تغييرات ملحوظة في كيفية صرف الفرنسيين لأموالهم، وهي ظاهرة يمكن ربطها بعدة عوامل، منها التضخم، وتكاليف المعيشة، وتغيرات سلوك المستهلك.
الإنفاق الاستهلاكي في فرنسا: البيانات والاتجاهات
بحسب الإحصائيات، يُقدر إنفاق المستهلك الفرنسي على السلع والخدمات بنحو 55% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. يعكس هذا الرقم حجم الطلب المحلي القوي، والذي يعتمد بشكل كبير على قرارات الأفراد في تخصيص أموالهم. بين الحين والآخر، تظهر مؤشرات جديدة تدل على التغيرات في سلوك المستهلك، مثل التغييرات في الإنفاق على المواد الغذائية، أو السفر، أو خدمات الترفيه.
في الأشهر الأخيرة، شهدت فرنسا تراجعًا في الإنفاق في بعض القطاعات بسبب التضخم وارتفاع تكاليف الحياة. عندما يرتفع معدل التضخم، يواجه المستهلكون ضغوطًا أكبر، مما يقلل من قدرتهم على الإنفاق في بعض المجالات. على سبيل المثال، شهدنا انخفاضًا في الإنفاق على الرفاهية والسفر، بينما ارتفع الإنفاق على الضروريات الأساسية مثل الغذاء والمواصلات.
العوامل المؤثرة على إنفاق المستهلكين
تتأثر أنماط إنفاق المستهلك الفرنسي بالعديد من العوامل. من أبرز هذه العوامل التضخم، الذي يرفع الأسعار ويقلل من القوة الشرائية للأفراد. عندما ترتفع أسعار السلع الأساسية مثل الطعام والوقود، ينخفض الدخل المتاح للمستهلكين، مما يجبرهم على تقليص نفقاتهم في مجالات أخرى.
من جهة أخرى، تلعب معدلات الفائدة دورًا كبيرًا في تأثير الإنفاق. عندما تكون معدلات الفائدة منخفضة، يصبح الحصول على الائتمان أسهل، مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق على السلع الكمالية. أما في حال كانت معدلات الفائدة مرتفعة، يتجه المستهلكون إلى تقليل الإنفاق خوفًا من الارتفاعات المستقبلية في التكاليف.
انخفاض استهلاك الأسر من السلع في أكتوبر 2024
في أكتوبر 2024، انخفض الإنفاق الاستهلاكي للأسر على السلع على مدار شهر واحد (-0.4% من حيث الحجم* بعد +0.1% في سبتمبر 2024). ويعزى هذا الانخفاض بشكل رئيسي إلى انخفاض مشتريات السلع المصنعة (-1.3%) وأيضا بسبب انخفاض استهلاك الطاقة (-1.2%). ومن جانبه، يتزايد استهلاك الغذاء (+1.2%)
السلع المصنعة: انخفاض حاد
في أكتوبر 2024، انخفض استهلاك الأسر من السلع المصنعة بشكل حاد (-1.3%)، بعد زيادة بنسبة 1.6% في سبتمبر 2024 – البيانات المنقحة. ويفسر هذا الانخفاض بانخفاض الإنفاق على الملابس النسيجية (-5.1%) وبدرجة أقل على السلع المعمرة (-0.6%).
الملابس والمنسوجات: انخفاض قوي
في أكتوبر 2024، انخفض الإنفاق على الملابس والمنسوجات بشكل حاد (-5.1% بعد +6.4% في سبتمبر 2024 – بيانات منقحة). ويعزى هذا الانخفاض بشكل أساسي إلى انخفاض الإنفاق على الملابس، وبدرجة أقل، إلى انخفاض مشتريات الأحذية والجلود. ومع ذلك، لا يزال الإنفاق على الملابس والمنسوجات أعلى بنسبة 2.0% عن مستواه في أكتوبر 2023.
السلع المعمرة: انخفاض طفيف
في أكتوبر 2024، بدأ استهلاك السلع المعمرة في الانخفاض قليلاً مرة أخرى (-0.6% بعد +0.8% في سبتمبر 2024 – بيانات منقحة). ويرتبط هذا التراجع بشكل رئيسي بتراجع الإنفاق على السلع الرأسمالية، أبرزها أجهزة الكمبيوتر والهواتف، فضلا عن انخفاض مشتريات السيارات المستعملة.
السلع المصنعة الأخرى: شبه استقرار
وفي أكتوبر 2024، أصبح استهلاك «السلع المصنعة الأخرى» شبه مستقر للشهر الثاني على التوالي.
الغذاء : ارتداد واضح
وفي أكتوبر 2024، انتعش استهلاك الأسر الغذائية بشكل ملحوظ (+1.2% بعد -1.4% في سبتمبر 2024 – بيانات منقحة). وتأتي هذه الزيادة بشكل أساسي من ارتفاع مشتريات المنتجات الغذائية الزراعية، ولا سيما “المنتجات الغذائية الأخرى”، في حين يعود استهلاك المنتجات الزراعية (المنتجات غير المصنعة) إلى الانخفاض مرة أخرى.
الإنفاق على السلع الأساسية
رغم الضغوط الاقتصادية، لا يزال الإنفاق على السلع الأساسية يمثل الجزء الأكبر من النفقات الشهرية. الطعام والمشروبات تظل ضمن أولويات المستهلكين. في الآونة الأخيرة، ومع زيادة الأسعار، أصبح المستهلك الفرنسي أكثر حذرًا في قراراته الشرائية. أصبح هناك اهتمام متزايد بالبحث عن العروض والخصومات، وهو ما يؤثر على الطريقة التي يتم بها إنفاق المال.
تظهر الأبحاث أيضًا أن هناك تحوّلًا في تفضيلات المستهلكين نحو السلع المحلية والمنتجات العضوية. يدفع الفرنسيون بشكل متزايد نحو الابتعاد عن السلع المستوردة، مع التركيز على دعم الاقتصاد المحلي. هذا التحول يعكس رغبتهم في التكيف مع التغيرات الاقتصادية، فضلًا عن الاهتمام بالقضايا البيئية.
التأثيرات الاجتماعية على سلوك الإنفاق
تلعب العوامل الاجتماعية دورًا كبيرًا في تحديد كيف ومتى ينفق الفرنسيون أموالهم. على سبيل المثال، في الأوقات التي تشهد فيها فرنسا أزمة صحية أو اقتصادية، تتغير أولويات الإنفاق. يظهر هذا التغيير في زيادة الطلب على الخدمات الصحية، أو في انخفاض النفقات على الأنشطة الترفيهية. في فترات الأعياد والمناسبات الخاصة، يعود المستهلكون إلى إنفاق المزيد على الهدايا والاحتفالات.
الإنفاق الرقمي: التحول إلى التسوق عبر الإنترنت
شهدت السنوات الأخيرة تحولًا في أساليب الشراء لدى الفرنسيين. أصبح التسوق عبر الإنترنت يشهد نموًا ملحوظًا. لم يعد المتسوقون يقتصرون على الشراء من المتاجر التقليدية. في الواقع، تجاوزت المبيعات عبر الإنترنت المبيعات التقليدية في بعض القطاعات. هذا التحول يعكس رغبة المستهلك الفرنسي في الحصول على تجربة تسوق مريحة ومرنة.
يستمر الشراء عبر الإنترنت في جذب فئات واسعة من الفرنسيين، وخاصة في قطاعات الإلكترونيات والملابس. تتيح هذه الطريقة للمستهلكين مقارنة الأسعار بسهولة واختيار العروض المناسبة لهم، مما يعزز من القدرة التنافسية بين المتاجر المختلفة.
مقارنة الإنفاق بين القطاعات المختلفة
عند مقارنة القطاعات التي يتجه نحوها إنفاق المستهلك الفرنسي، نجد أن السلع الاستهلاكية مثل الطعام والمشروبات تأتي في المرتبة الأولى، تليها الخدمات مثل النقل والرعاية الصحية. في المقابل، تراجعت بعض الصناعات الأخرى، مثل قطاع الضيافة والمطاعم، بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام.