فهم نظرية داو: أساسيات تحليل السوق الفني

تشكل نظرية داو، التي وضعها تشارلز هنري داو في أواخر القرن التاسع عشر، إحدى الأسس الرئيسية في فهم تحركات الأسعار وتوجيهات السوق. تتمحور هذه النظرية حول دراسة حركة الأسعار وتحليل الاتجاهات من خلال استخدام المخططات البيانية، وتوفير إطار فعّال لفهم تحركات السوق وتحديد نقاط التحول الرئيسية.

تشارلز داو (Charles Dow) يُعتبر واحدًا من أبرز الشخصيات في عالم الاقتصاد والتمويل، وقد ترك بصمة قوية من خلال عمله كصحافي ومحرر ورئيس تحرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” وأيضًا بفضل تأسيسه للمؤشر الشهير “داو جونز”. ولكن الجانب الذي يشتهر به تشارلز داو هو تطويره لنظرية الداو، التي أسهمت بشكل كبير في تشكيل مجال التحليل الفني.

تطورت نظرية داو من خلال مقالات نشرها تشارلز داو في صحيفة “وول ستريت جورنال”، حيث عكف فيها على تحليل حركة الأسعار في الأسواق المالية وفهم سلوكها. وعلى الرغم من عدم نشرها رسميًا في كتاب، إلا أن مقالاته جمعت لاحقًا في كتاب بعنوان “The ABC of Stock Speculation”، الذي يُعتبر مرجعًا هامًا لنظرية داو.

تأسست نظرية داو على أساس تحليل الارتفاعات والانخفاضات في تقلبات السوق بهدف التنبؤ باتجاه السوق. وتتيح هذه النظرية للمتداولين فهمًا أفضل لما يحدث في أسعار الأصول المالية وتحديد السياق الذي تتطور فيه هذه الأدوات. وكانت إحدى النقاط الرئيسية التي دعا لها داو هي أن سعر الأصل المالي وتقلباته تحتوي على جميع المعلومات الضرورية المتاحة والمتوقعة. بفضل مبادئه وآرائه، أصبحت نظرية داو أساسًا لتحليل السوق واتخاذ القرارات المالية،

السوق تعكس كل المعلومات : صحيح، المبدأ الأول في نظرية داو يتماشى بشكل كبير مع فرضية السوق الكفء (Efficient Market Hypothesis)، التي تقول إن الأسواق المالية تعكس بشكل كامل وفوري جميع المعلومات المتاحة للمستثمرين، وبالتالي لا يمكن لأي مستثمر تحقيق ربح فائق عن طريق تحليل المعلومات المتاحة واتخاذ القرارات الاستثمارية بناءً عليها. هذا يعني أن جميع العوامل الاقتصادية والمالية والسياسية والتنافسية والتقنية، بالإضافة إلى جميع الأخبار والمعلومات الأخرى ذات الصلة، تعكس بالفعل في أسعار الأصول المالية في السوق

الأسس الستة تشكل الإطار الأساسي لنظرية داو

  1. السوق تعكس كل المعلومات: تفترض نظرية داو أن سعر الأصل المالي يعكس جميع المعلومات المتاحة والمتوقعة عن هذا الأصل. وبالتالي، يمكن للمستثمرين والمتداولين الاعتماد على سعر السوق لاتخاذ القرارات المالية.
  2. السعر يتحرك باتجاهات: تشير نظرية داو إلى أن الأسعار تتبع اتجاهات معينة، سواء صاعدة أو هابطة، ويمكن للمتداولين تحديد هذه الاتجاهات من خلال تحليل حركة السعر على المخططات البيانية.
  3. الاتجاهات لها دور رئيسي: تؤكد نظرية داو على أهمية الاتجاهات الرئيسية في السوق، حيث يمكن للمتداولين استخدام تحليل الاتجاهات لاتخاذ قرارات تداول مستنيرة.

4الحجم يعكس التحرك: يشير مبدأ “الحجم يعكس التحرك” إلى أن حجم التداول يمكن أن يكون مؤشرًا على قوة أو ضعف الاتجاه الحالي في السوق.

  1. الاتجاهات تتبع تأكيدات: تقوم نظرية داو على مبدأ أن الاتجاهات لا تثبت إلا بالتأكيدات، وبالتالي يجب أن يتم تأكيد الاتجاهات عن طريق تحركات السوق.
  2. التاريخ يتكرر يعتمد تحليل داو على فكرة تكرار نماذج وأنماط في حركة السوق، حيث يمكن للمتداولين استخدام الخبرة التاريخية لفهم وتوقع الاتجاهات المستقبلية.

توجد ثلاثة أنواع رئيسية من الاتجاهات وفقًا لنظرية داو، وهي الاتجاه الأساسي، الثانوي، والطفيف/البسيط. دعنا نلقي نظرة عميقة على كل نوع:

  1. الاتجاه الأساسي (طويل الأجل) : يُعتبر الاتجاه الأساسي الأكثر قوة واستمرارية ويستمر عادة لفترات طويلة تزيد عن عام ويمكن مراقبته على الأطر الزمنية الكبيرة مثل الرسوم البيانية اليومية والأسبوعية. و يتضمن تحركات أسعار واسعة النطاق وعادة ما يكون محوريًا للمستثمرين الذين يستثمرون على المدى الطويل.
  2. الاتجاه الثانوي (متوسط الأجل ) : يمثل الاتجاه الثانوي انعكاسًا أصغر في المدة مقارنة بالاتجاه الأساسي ويستمر عادة لفترات تتراوح بين 3 أسابيع و3 أشهر. اذ يحدث فيه انعكاس لحركة الاتجاه الأساسي
  3. الاتجاه الطفيف/البسيط (قصير الأجل ) : يستمر الاتجاه الطفيف/البسيط لفترات قصيرة تتراوح من بضعة أيام إلى بضعة أسابيع. ويشهد تصحيحًا للاتجاه الثانوي، ويُعتبر تقلبًا صغيرًا في السوق، ويمكن للمضاربين على المدى القصير استغلاله.

مراحل الاتجاهات الأولية

مراحل الاتجاهات الأولية، سواء كانت صاعدة (Bull Market) أو هابطة (Bear Market)، تعكس الديناميكية الطبيعية لحركة الأسعار في السوق المالية وتوفر فهمًا أعمق لسلوك المتداولين والمستثمرين. إليك شرح مفصل لكل مرحلة:

مراحل السوق الصاعده :  (Bull Market) :

  1. مرحلة التراكم (Accumulation Stage): يشهد هذه المرحلة ارتفاعًا في الأسعار مصحوبًا بزيادة في حجم التداول. ويتمثل الهدف في هذه المرحلة في استغلال فرص الشراء في الأصول المالية بأسعار منخفضة.
  2. مرحلة المشاركة العامة (Public Participation Stage): : يلاحظ المستثمرون الأفراد الاتجاه التصاعدي للسوق ويبدأون في الدخول إلى السوق. ويعتبر هذا المرحلة الأطول والأكثر إثارة في فترة الارتفاع، حيث يشهد السوق اهتمامًا كبيرًا من المستثمرين.
  3. مرحلة التجاوز (Distribution Stage) :لا يصل السوق إلى نقطة تصحيحية حيث يبدأ المستثمرون المتمرسون في الخروج من مراكزهم. ويستمر المتداولون المبتدئون في الشراء، ولكن المتداولين الأكثر خبرة يبدؤون في جني الأرباح.

مراحل السوق الهابطة (Bear Market) :

  1. مرحلة التوزيع (Distribution Stage): :ويبدأ فيها المتداولون في نشر أخبار التراجع والانخفاض في الأسعار بين أفراد مجتمع التداول. اذ يزيد حجم التداول وتبدأ الأسعار في الانخفاض بشكل ملحوظ.
  2. مرحلة المشاركة العامة (Public Participation Stage): :يقوم المستثمرون ببيع الأسهم والخروج من المراكز لتقليل الخسائر. ويكون هناك هبوط كبير في الأسعار وزيادة في الهبوط العام.
  3. مرحلة الذعر أو اليأس (Panic or Despair Stage): :يفقد المستثمرون كل آمالهم في التصحيح ويستمرون في البيع على نطاق واسع. ويكون هناك شعور باليأس الشديد والخوف في السوق، ويصبح السوق مشحونًا بالتوتر.

هذه المراحل الثلاثة لكل من الاتجاه الصاعد والهابط توضح كيفية تطور السوق على مدى فترة زمنية وتأثيرها على سلوك المتداولين واتجاه الأسعار.

مقالات ذات صلة