شهدت عملة البيتكوين قفزة قوية صباح الخميس، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تخفيف بعض الرسوم الجمركية. جاء ذلك في إطار قراره بتأجيل فرض تعريفات جمركية إضافية على بعض الدول الكبرى لمدة 90 يومًا. وقد ساعد هذا القرار في تحسين مزاج الأسواق، وتعزيز شهية المخاطرة لدى المستثمرين. ومع ذلك، لم تُمنح الصين أي إعفاءات، بل رفعت الولايات المتحدة التعريفات عليها إلى 120%. وردت بكين على الفور برسوم انتقامية بلغت 84% على السلع الأمريكية. وبالرغم من هذه التوترات، ارتفع سعر البيتكوين بنسبة 7% ليصل إلى 82,146 دولارًا. و يُعد هذا السعر الأعلى منذ أسابيع، لكنه ما زال أدنى من ذروته قبل خمسة أشهر.
الحرب التجارية تلقي بظلالها على الأسواق
ساهمت التوترات بين الصين والولايات المتحدة في خلق بيئة ضبابية في الأسواق المالية. حيث تخشى الشركات من تعطّل سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف التصنيع والاستيراد. وفي هذا السياق، جاءت المكاسب المحدودة للبيتكوين كدليل على الحذر السائد في السوق. من ناحية أخرى، لم يبدِ ترامب نية واضحة للتراجع عن نهجه في فرض الرسوم الجمركية. وقد عزز ذلك بعض الآمال بإمكانية الوصول إلى اتفاق تجاري في الفترة المقبلة. لكن في الوقت نفسه، بقيت الشكوك قائمة حول نواياه الحقيقية وتأثير قراراته على المدى الطويل.
تأثير التعريفات الجمركية على العملات المشفرة و البيتكوين
تُعد العملات المشفرة من الأصول عالية المخاطر، وغالبًا ما تتأثر بتحولات السوق العالمية. ومع إعلان ترامب عن التخفيف المؤقت للتعريفات، انتعشت الأسواق المالية والعملات المشفرة بشكل عام. لكن، كانت استجابة البيتكوين أقل من استجابة الأسواق التقليدية مثل الأسهم والعملات الوطنية. وتعزى هذه الاستجابة المحدودة جزئيًا إلى إعلان شركة “ستراتيجي”، أكبر مالك للبيتكوين، عن خسائر فادحة. حيث سجلت الشركة انخفاضًا حادًا في قيمة أصولها الرقمية خلال الأسابيع الماضية. وقد أثّر هذا الإعلان سلبًا على ثقة المستثمرين في سوق العملات المشفرة.
صعود العملات البديلة يزيد من تفاؤل المستثمرين
لم يكن الارتفاع مقتصرًا على البيتكوين فقط، بل شمل أيضًا عددًا من العملات البديلة. و ارتفعت قيمة دوجكوين بنسبة 10%، بعد إعلان 21Shares عن التقدّم بطلب لصندوق متداول في البورصة. ويُتوقع أن يجذب هذا الصندوق استثمارات مؤسسية ضخمة إلى العملة الشهيرة. وفي المقابل، قفزت الإيثريوم بنسبة 11.1% لتصل إلى 1,621.92 دولار. كما ارتفعت عملة الريبل إلى 2.0164 دولار، مسجلة صعودًا بنحو 12%. كذلك حققت عملات سولانا وكاردانو وبوليجون مكاسب تراوحت بين 7% و11%. وأضافت “عملة ترامب” أيضًا نسبة 7% إلى قيمتها، مستفيدة من التفاعل السياسي.
ارتباط العملات المشفرة بالأسواق التقليدية
تسير العملات الرقمية عادة بالتوازي مع الأسواق التي تعتمد على شهية المخاطرة. وعندما يزداد التفاؤل في الأسواق، تزداد الاستثمارات في الأصول الرقمية والبديلة. ومع إعلان ترامب عن التمديد الجمركي، عاد الزخم إلى سوق الكريبتو بشكل ملحوظ. لكن رغم هذا، بقي الحذر مسيطرًا بسبب تعقيدات المشهد السياسي والتجاري العالمي. وبالتالي، لم ترتفع البيتكوين بنفس القوة التي شهدتها أسواق الأسهم.
المخاطر لا تزال قائمة رغم الانتعاش المؤقت
لا يُمكن اعتبار ارتفاع البيتكوين الحالي بمثابة نقطة تحول في السوق. فالمخاوف لا تزال تحيط بتداعيات التصعيد التجاري بين واشنطن وبكين. إذ يمكن لأي تطور سلبي أن يُعيد الأسواق إلى مستويات متدنية بسرعة. إلى جانب ذلك، تشهد العملات المشفرة تقلبات كبيرة بسبب غياب التنظيم الواضح. وقد يؤدي أي تصريح أو إشاعة إلى تقلبات سعرية حادة في فترة زمنية قصيرة.
ولهذا، يفضل العديد من المستثمرين الانتظار حتى تتضح الرؤية أكثر.
مسار غير مؤكد رغم الارتفاع البيتكوين
تعكس قفزة البيتكوين الأخيرة مدى ترابط الاقتصاد الرقمي بالقرارات الجيوسياسية. فأي تعديل في السياسات العالمية ينعكس مباشرة على أداء العملات المشفرة. لكن المكاسب تبقى محدودة، ما لم تتحسن الظروف السياسية والاقتصادية على نطاق أوسع. على المستثمرين الحذر من اتخاذ قرارات سريعة بناءً على تحركات مؤقتة. ومن الأفضل متابعة تطورات الحرب التجارية وتحليلها بعمق قبل الدخول في السوق. فالبيتكوين وغيرها من العملات الرقمية قد تقدم فرصًا كبيرة، لكنها لا تخلو من المخاطر.
البيتكوين في مواجهة تقلبات الأسواق
تُعرف البيتكوين بكونها عملة شديدة التقلب، إذ تتأثر بأدنى التغيرات في المزاج العام للأسواق. عند ارتفاع شهية المخاطرة، تتدفق السيولة نحو الأصول الرقمية، ما يعزز أداء البيتكوين مؤقتًا. لكن عند تصاعد التوترات السياسية أو الاقتصادية، تنخفض الثقة، ويبدأ المستثمرون في بيع ممتلكاتهم من العملات المشفرة. في هذا السياق، لا تسير البيتكوين بمعزل عن الأحداث العالمية، بل تتفاعل معها بشكل مباشر وسريع. فكل تصريح من قادة العالم، أو إجراء من البنوك المركزية، قد يؤدي إلى تقلبات كبيرة في أسعارها.
على الرغم من ذلك، تُظهر البيتكوين قدرة ملحوظة على التعافي بعد الهزات العنيفة. فهي غالبًا ما تستعيد جزءًا من خسائرها خلال فترات قصيرة نسبيًا، مقارنة ببعض الأصول التقليدية. ومع أن هذا يُغري بعض المستثمرين، إلا أنه يضيف بُعدًا إضافيًا للمخاطر.
من ناحية أخرى، تفتقر الأسواق الرقمية إلى الأطر التنظيمية المستقرة، مما يضاعف تقلباتها.
فقرارات مثل حظر التداول أو فرض ضرائب على العملات المشفرة تؤثر فورًا على حركة الأسعار. علاوة على ذلك، تعتمد تحركات البيتكوين على الأخبار المرتبطة بالتكنولوجيا، مثل اختراقات البورصات أو تحديثات الشبكة. أي خلل تقني أو شائعة يمكن أن يتسبب في انهيار مفاجئ في القيمة السوقية.
ومع كل هذه التحديات، يُنظر إلى البيتكوين أحيانًا كأداة للتحوط من التضخم أو الأزمات المالية. لكن هذا الدور يظل محل جدل، لأن البيانات التاريخية لم تؤكد دائمًا هذا التصور. في هذا الإطار، يتطلب الاستثمار في البيتكوين وعيًا عميقًا بالمخاطر والفرص، وتخطيطًا بعيد المدى. لذلك، يُنصح بعدم الاعتماد عليها وحدها كمصدر رئيسي للعوائد، بل استخدامها ضمن محفظة متنوعة. سوف تظل البيتكوين رمزًا للأسواق المتقلبة والمتحولة، ومؤشرًا على التوترات الاقتصادية القائمة. وسيبقى دورها مرتبطًا بمدى استقرار الأسواق العالمية، وثقة المستثمرين في النظام المالي الرقمي.